خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
-الحجرات

روح المعاني

{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءامَنَّا } قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة قبيلة تجاور المدينة أظهروا الإسلام وقلوبهم دغلة إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا، ويروى أنهم قدموا المدينة في سنة جدبة فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون بذكر ذلك الصدقة ويمنون به على النبـي عليه الصلاة والسلام، وقيل: هم مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا: آمنا فاستحقينا الكرامة فرد الله تعالى عليهم، وأياً ما كان فليس المراد بالأعراب العموم كما قد صرح به قتادة وغيره، وإلحاق الفعل علامة التأنيث لشيوع اعتبار التأنيث في الجموع حتى قيل:

لا تبالي بجمعهم كل جمع مؤنث

والنكتة في اعتباره هٰهنا الإشارة على قلة عقولهم على عكس ما روعي في قوله تعالى: { { وَقَالَ نِسْوَةٌ } [يوسف: 30] { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } إكذاب لهم بدعوى الإيمان إذ هو تصديق مع الثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لهم وإلا لما منوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة { وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وهو ضد الحرب وما كان من هؤلاء مشعر به، وكان الظاهر لم تؤمنوا ولكن أسلمتم أو لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا لتحصل المطابقة لكن عدل عن الظاهر اكتفاء بحصولها من حيث المعنى مع إدماج فوائد زوائد، بيان ذلك أن الغرض المسوق له الكلام توبيخ هؤلاء في مَنِّهِم بإيمانهم بأنهم خلوا عنه أولاً وبأنهم الممتنون إن صدقوا ثانياً، فالأصل في الإرشاد إلى جوابهم قل كذبتم ولكن أخرج إلى ما هو عليه المنزل ليفيد عدم المكافحة بنسبة الكذب، وفيه حمل له عليه الصلاة والسلام على الأدب في شأن الكل ليصير ملكة لأتباعه وأن لا يلبسوا جلد النمر لمن يخاطبهم به وتلخيص ما كذبوا فيه. ومن الدليل على أنه الأصل قوله تعالى في الآية التالية: { { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ } [الحجرات: 15] تعريضاً بأن الكذب منحصر فيهم.

وأوثر على لا تقولوا آمنا لاستهجان ذلك لا سيما من النبـي صلى الله عليه وسلم المبعوث / للدعوة إلى الإيمان، على أن إفادة { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } لمعنى كذبتم أظهر من إفادة لا تقولوا آمنا كما لا يخفى، ثم قوبل بقوله سبحانه: { وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } كأنه قيل: قل لم تؤمنوا فلا تكذبوا ولكن قولوا أسلمنا لتفوزوا بالصدق إن فاتكم الإيمان والتصديق ولو قيل: ولكن أسلمتم لم يؤد هذا المعنى، وفيه تلويح بأن إسلامهم وهو خلو عن التصديق غير معتد به ولو قيل ولكن أسلمتم لكان ذلك موهماً أن ذلك معتد به والمطلوب كماله بالإيمان ولا يحتاج هذا إلى أن يقال: القول في المنزل مستعمل في معنى الزعم، وقيل: في الآية احتباك والأصل لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ولكن أسلمتم فقولوا أسلمنا فحذف من كل من الجملتين ما أثبت في الأخرى والأول أبلغ وألطف.

{ وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِي قُلُوبِكُمْ } حال من ضمير { قُولُواْ } كأنه قيل: قولوا أسلمنا ما دمتم على هذه الصفة، وفيه إشارة إلى توقع دخول الإيمان في قلوبهم بعد فليس هذا النفي مكرراً مع قوله تعالى: { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } وقيل: الجملة مستأنفة ولا تكرار أيضاً لأن { لَمَّا } تفيد النفي الماضي المستمر إلى زمن الحال بالإجماع وتفيد أن منفيها متوقع خلافاً لأبـي حيان و ـ لم ـ لا تفيد شيئاً من ذلك بلا خلاف فلا حاجة في دفع التكرار إلى القول بالحالية وجعل الجملة توقيتاً للقول المأمور به.

{ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بالإخلاص وترك النفاق { لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أَعْمَـٰلِكُمْ } لا ينقصكم { شَيْئاً } من أجورها أو شيئاً من النقص يقال لاته يليته ليتاً إذا نقصه، ومنه ما حكى الأصمعي عن أم هشام السلولية الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات ولا تصمه الأصوات.

وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو { لا يألتكم } من ألت يألت بضم اللام وكسرها ألتاً وهي لغة أسد وغطفان، قال الحطيئة:

أبلغ سراة بني سعد مغلغلة جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذباً

والأولى لغة الحجاز والفعل عليها أجوف وعلى الثانية مهموز الفاء، وحكى أبو عبيدة ألات يليت.

{ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لما فرط من المطيعين { رَّحِيمٌ } بالتفضل عليهم.