خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
١٧
-الحجرات

روح المعاني

{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } أي يعتدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثواباً ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته، وقال الراغب: هي النعمة الثقيلة من المن الذي يوزن به وثقلها عظمها أو المشقة في تحملها. و{ أَنْ أَسْلَمُواْ } في موضع المفعول ـ ليمنون ـ لتضمينه معنى الاعتداد أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوباً بنزع الخافض أو مجروراً بالحرف المقدر أي يمنون عليك بإسلامهم، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى: { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَـٰمَكُمْ } فهو إما على معنى لا تعتدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم. وجوز أبو حيان أن يكون { أَنْ أَسْلَمُواْ } مفعولاً من أجله أي يتفضلون عليك لأجل إسلامهم.

{ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } أي ما زعمتم في قولكم { آمَنَّا } [الحجرات: 14] فلا ينافي هذا قوله تعالى: { { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } [الحجرات: 14] أو الهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم وينافي نفي الإيمان السابق. وقرأ عبد الله وزيد بن علي { إِذْ هَداكُمْ } بإذ التعليلية، وقرىء { إِنْ هَداكُمْ } بإن الشرطية.

{ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في ادعاء الإيمان فهو متعلق الصدق لا الهداية فلا تغفل؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم. ولا يخفى ما في سياق الآية من اللطف والرشاقة، وذلك أن الكائن من أولئك الأعراب قد سماه الله تعالى إسلاماً إظهاراً لكذبهم في قولهم: { آمَنَّا } أي أحدثنا الإيمان في معرض الامتنان ونفى سبحانه أن يكون كما زعموا إيماناً فلما منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منهم قال سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام: يعتدون عليك بما ليس جديراً بالاعتداد به من حدثهم الذي حق تسميته أن يقال له إسلام فقل لهم: لا تعتدوا عليَّ إسلامكم أي حدثكم المسمى إسلاماً عندي لا إيماناً، ثم قال تعالى: بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم. وفي قوله تعالى: { إِسْلَـٰمَكُمْ } بالإضافة ما يدل على أن ذلك غير معتد به / وأنه شيء يليق بأمثالهم فأنى يخلق بالمنة، وللتنبيه على أن المراد بالإيمان الإيمان المعتد به لم يضفه عز وجل، ونبه سبحانه بقوله جل وعلا: { إِنْ كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } على أن ذلك كذب منهم، واللطف في تقديم التكذيب ثم الجواب عن المن مع رعاية النكت في كل من ذلك، وتمام الحسن في التذييل بقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.