خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ
٥
-المائدة

روح المعاني

{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } إعادة هذا الحكم للتأكيد والتوطئة لما بعده، وسبب ذكر اليوم يعلم مما ذكر أمس. وقال النيسابوري: فائدة الإعادة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره، والأول أولى. { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ } أي حلال، والمراد بالموصول اليهود والنصارى حتى نصارى العرب عندنا، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه استثنى نصارى بني تغلب، وقال: ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر، وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وحكاه الربيع عن الشافعي رضي الله تعالى عنه؛ والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة ـ كما روي عن ابن عباس. وأبي الدرداء. وإبراهيم. وقتادة. والسدى. والضحاك. ومجاهد رضوان الله عليهم أجمعين ـ وبه قال الجبائي. والبلخي. وغيرهم. / وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد به الذبائح لأن غيرها لم يختلف في حله، وعليه أكثر المفسرين، وقيل: إنه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وهو المروي عند الإمامية عن أبـي عبد الله رضي الله تعالى عنه، وبه قال جماعة من الزيدية، فلا تحل ذبائحهم عند هؤلاء، وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال صاحباه: الصابئة صنفان: صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة، وصنف لا يقرأون كتاباً ويعبدون النجوم، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب، وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لما روى عبد الرزاق وابن أبـي شيبة والبيهقي من طريق الحسن بن محمد بن علي قال: «كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل ومن أصر ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم» وهو وإن كان مرسلاً وفي إسناده قيس بن الربيع ـ وهو ضيعف ـ إلا أن إجماع أكثر المسلمين ـ كما قال البيهقي ـ عليه يؤكده، واختلف العلماء في حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم غير الله تعالى ـ كعزير وعيسى عليهما السلام ـ فقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: لا تحل وهو قول ربيعة، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تحل ـ وهو قول الشعبـي. وعطاء ـ قالا: فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. وقال الحسن: إذا ذبح اليهودي والنصراني فذكر اسم غير الله تعالى وأنت تسمع فلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله تعالى لك.

{ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } قال الزجاج وكثير من المتأخرين: إن هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى لا جناح عليكم أيها المؤمنون أن تطعموا أهل الكتاب من طعامكم، فلا تصلح الآية دليلاً لمن يرى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأن التحليل حكم، وقد علقه سبحانه بهم فيها كما علق الحكم بالمؤمنين، واعترض على ظاهره بأنه إنما يتأتى لو كان الإطعام بدل الطعام، فإن زعموا أن الطعام يقوم مقام الإطعام توسعاً ورد الفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ، وهو ممتنع فقد صرحوا بأنه لا يجوز إطعام زيد حسن للمساكين وضربك شديد زيداً فكيف جاز { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ }؟ وعن بعضهم فإن قيل: ما الحكمة في هذه الجملة وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا؟ أجيب بأن المعنى انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم فإن أطعموكموه فكلوه ولا تنظروا إلى ما كان محرماً عليهم، فإن لحوم الإبل ونحوها كانت محرمة عليهم، ثم نسخ ذلك في شريعتنا، فالآية بيان لنا لا لهم أي اعلموا أن ما كان محرماً عليهم مما هو حلال لكم قد أحل لكم أيضاً ولذلك لو أطعمونا خنزيراً أو نحوه وقالوا: هو حلال في شريعتنا، وقد أباح الله تعالى لكم طعامنا كذبناهم وقلنا: إن الطعام الذي يحل لكم هو الذي يحل لنا لا غيره، فحاصل المعنى طعامهم حل لكم إذا كان الطعام الذي أحللته لكم، وهذا التفسير معنى قول السدي وغيره فافهمه فقد أشكل على بعض المعاصرين.

{ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } عطف على { ٱلطَّيّبَاتِ }. أو مبتدأ والخبر محذوف لدلالة ما تقدم عليه أي حل لكم أيضاً، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالاً من المحصنات، أو من الضمير فيها على ما قاله أبو البقاء، والمراد بهن عند الحسن والشعبـي وإبراهيم: العفائف، وعند مجاهد: الحرائر، واختاره أبو علي، وعند جماعة العفائف والحرائر، وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو أولى لا لنفي ما عداهن، فإن نكاح الإماء المسلمات بشرطه صحيح بالاتفاق، وكذا نكاح غير العفائف منهن، وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه.

{ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } / وإن كن حربيات كما هو الظاهر، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا يجوز نكاح الحربيات، وخص الآية بالذميات، واحتج له بقوله تعالى: { { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة: 22] والنكاح مقتض للمودة لقوله تعالى: { { خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً...وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21] قال الجصاص: وهذا عندنا إنما يدل على الكراهة، وأصحابنا يكرهون مناكحة أهل الحرب، وذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابيات لقوله تعالى: { { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [البقرة: 221] ولقوله سبحانه: { { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10] وأولوا هذه الآية بأن المراد من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن، والمراد من المحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات، وذلك أن قوماً كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبين الله تعالى أنه لا حرج في ذلك، وإلى تفسير المحصنات بمن أسلمن ذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أيضاً، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ويأباه النظم، ولذلك زعم بعضهم أن المراد هو الظاهر إلا أن الحل مخصوص بنكاح المتعة وملك اليمين، ووطؤهن حلال بكلا الوجهين عند الشيعة، وأنت تعلم أن هذا أدهى وأمر، ولذلك هرب بعضهم إلى دعوى أن الآية منسوخة بالآيتين المتقدمتين آنفاً احتجاجاً بما رواه الجارود عن أبـي جعفر رضي الله تعالى عنه في ذلك، ولا يصح ذلك من طريق أهل السنة، نعم أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام». أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن جابر بن عبد الله «أنه سئل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال: تزوجناهن زمن الفتح ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيراً فلما رجعنا طلقناهن. وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه سئل أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ فقال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله تعالى المسلمات فإن كان لا بد فاعلاً فليعمد إليها حصاناً غير مسافحة، قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته».

{ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن وهي عوض الاستمتاع بهن ـ كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره ـ وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها لا للاحتراز، ويجوز أن يراد بالإيتاء التعهد والالتزام مجازاً، ولعله أقرب من الأول، وإن كان المآل واحداً، و { إِذَا } ظرف لحل المحذوف، ويحتمل أن تكون شرطية حذف جوابها أي إذا آتيتموهن أجورهن حللن لكم. { مُّحْصِنِينَ } أي أعفاء بالنكاح وهو منصوب على الحال من فاعل { ءاتَيْتُمُوهُنَّ } وكذا قوله تعالى: { غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ }، وقيل: هو حال من ضمير { مُّحْصِنِينَ }، وقيل: صفة ـ لمحصنين ـ أي غير مجاهرين بالزنا، { وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ } أي ولا مسرين به، والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى، وقيل: الأول: نهى عن الزنا، والثاني: نهى عن مخالطتهنّ، و { مُتَّخِذِيۤ } يحتمل أن يكون مجروراً عطفاً على { مُسَـٰفِحِينَ } وزيدت لا لتأكيد النفي المستفاد من { غَيْرِ }، ويحتمل أن يكون منصوباً عطفاً على { غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } باعتبار أوجهه الثلاثة.

{ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإيمَـٰنِ } أي من ينكر المؤمن به، وهو شرائع الإسلام التي من جملتها ما بين هنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة، ويمتنع عن قبولها { فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } أي الذي عمله واعتقد أنه قربة له إلى الله تعالى. / { وَهُوَ فِى ٱلأَخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } أي الهالكين، والآية تذييل لقوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } الخ تعظيماً لشأن ما أحله الله تعالى وما حرمه، وتغليظاً على من خالف ذلك، فحمل الإيمان على المعنى المصدري وتقدير مضاف ـ كما قيل أي بموجب الإيمان وهو الله تعالى ـ ليس بشيء، وإن أشعر به كلام مجاهد، وضمير الرافع مبتدأ، و { مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } خبره، و { فِى } متعلقة بما تعلق به الخبر من الكون المطلق، وقيل: بمحذوف دل عليه المذكور أي خاسرين في الآخرة، وقيل: بالخاسرين على أن أل معرفة لا موصولة لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، وقيل: يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره كما في قوله:

ربيته حتى إذا ما تمعددا كان جزائي بالعصا أن أجلدا

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالإيمان العلمي { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } أي بعزائم التكليف، وقال أبو الحسن الفارسي: أمر الله تعالى عباده بحفظ النيات في المعاملات، والرياضات في المحاسبات، والحراسة في الخطرات، والرعاية في المشاهدات، وقال بعضهم: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } عقد القلب بالمعرفة، وعقد اللسان بالثناء، وعقد الجوارح بالخضوع، وقيل: أول عقد عقد على المرء عقد الإجابة له سبحانه بالربوبية وعدم المخالفة بالرجوع إلى ما سواه، والعقد الثاني عقد تحمل الأمانة وترك الخيانة { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } أي أحل لكم جميع أنواع التمتعات والحظوظ بالنفوس السليمة التي لا يغلب عليها السبعية والشره { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } من التمتعات المنافية للفضيلة والعدالة { غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } أي لا متمتعين بالحظوظ في حال تجردكم للسلوك وقصدكم كعبة الوصال وتوجهكم إلى حرم صفات الجمال والجلال { { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } [المائدة: 1] فليرض السالك بحكمه ليستريح، ويهدي إلى سبيل رشده { يُرِيدُ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَٰئِرَ ٱللَّهِ } من المقامات والأحوال التي يعلم بها السالك إلى حرم ربه سبحانه من الصبر والتوكل والشكر ونحوها أي لا تخرجوا عن حكمها { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } وهو وقت الحج الحقيقي وهو وقت السلوك إلى ملك الملوك، وإحلاله بالخروج عن حكمه والاشتغال بما ينافيه { وَلاَ ٱلْهَدْىَ } وهو النفس المستعدة المعدة للقربان عند الوصول إلى الحضرة، وإحلالها باستعمالها بما يصرفها، أو تكليفها بما يكون سبب مللها { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } وهي ما قلدته النفس من الأعمال الشرعية التي لا يتم الوصول إلا بها، وإحلالها بالتطفيف بها وعدم إيقاعها على الوجه الكامل { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } وهم السالكون، وإحلالهم بتنفيرهم وشغلهم بما يصدهم أو يكسلهم { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ } بتجليات الأفعال { وَرِضْوَاناً } بتجليات الصفات، { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـادُواْ } أي إذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء فلا جناح عليكم في التمتع { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } أي لا يكسبنكم بغض القوى النفسانية بسبب صدها إياكم عن السلوك أن تعتدوا عليها، وتقهروها بالكلية فتتعطل أو تضعف عن منافعها، أو لا يكسبنكم بغض قوم من أهاليكم أو أصدقائكم بسبب صدهم إياكم أن تعتدوا عليهم بمقتهم وإضرارهم وإرادة الشر لهم { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ } بتدبير تلك القوى وسياستها، أو بمراعاة الأهل والأصدقاء والإحسان إليهم { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } فإن ذلك يقطعكم عن الوصول، وعن سهل أن البر الإيمان والتقوى السنة والإثم الكفر والعدوان البدعة، وعن الصادق رضي الله تعالى عنه البر / الإيمان والتقوى الإخلاص والإثم الكفر والعدوان المعاصي، وقيل: البر ما توافق عليه العلماء من غير خلاف والتقوى مخالفة الهوى والإثم طلب الرخص والعدوان التخطي إلى الشبهات { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في هذه الأمور { { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [المائدة: 2] فيعاقبكم بما هو أعلم { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } وهي خمود الشهوة بالكلية فإنه رذيلة التفريط المنافية للعفة { وَٱلدَّمُ } وهو التمتع بهوى النفس { وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ } أي وسائر وجوه التمتعات بالحرص والشره وقلة الغيرة { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } من الأعمال التي فعلت رياءاً وسمعة { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } وهي الأفعال الحسنة صورة مع كمون الهوى فيها، { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } وهي الأفعال التي أجبر عليها الهوى { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } وهي الأفعال المائلة إلى التفريط والنقصان { وَٱلنَّطِيحَةُ } وهي الأفعال التي تصدر خوف الفضيحة وزجر المحتسب مثلاً { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } وهي الأفعال التي هي من ملائمات القوة الغضبية من الأنفة والحمية النفسانية { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } من الأفعال الحسنة التي تصدر بإرادة قلبية لم يمازجها ما يشينها { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } وهو ما يفعله أبناء العادات لا لغرض عقلي أو شرعي { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلاْزْلَٰمِ } بأن تطلبوا السعادة والكمال بالحظوظ والطوالع وتتركوا العمل وتقولوا: لو كان مقدراً لنا لعملنا فإنه ربما كان القدر معلقاً بالسعي { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } خروج عن الدين الحق لأن فيه الأمر والنهي، والإتكال على المقدر بجعلهما عبثاً { ٱلْيَوْمَ } وهو وقت حصول الكمال { يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } بأن يصدّوكم عن طريق الحق { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } فإنهم لا يستولون عليكم بعد { وَٱخْشَوْنِ } لتنالوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ببيان ما بينت { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } بذلك أو بالهداية إليَّ { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلَٰمَ } أي الانقياد للانمحاء { دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ } إلى تناول لذة في { مَخْمَصَةٍ }، وهي الهيجان الشديد للنفس { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } غير منحرف لرذيلة { { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [المائدة: 3] فيستر ذلك ويرحم بمدد التوفيق. { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } من الحقائق التي تحصل لكم بعقولكم وقلوبكم وأرواحكم { وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ ٱلْجَوَارِحِ } وهي الحواس الظاهرة والباطنة وسائر القوى والآلات البدنية { مُكَلّبِينَ } معلمين لها على اكتساب الفضائل { تُعَلّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } من علوم الأخلاق والشرائع { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } مما يؤدي إلى الكمال { { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [المائدة: 4] بأن تقصدوا أنه أحد أسباب الوصول إليه عز شأنه لا أنه لذة نفسانية { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ } وهو مقام الفرق والجمع { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } فلا عليكم أن تطعموهم منه بأن تضموا لأهل الفرق جمعاً، ولأهل الجمع فرقاً { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } وهي النفوس المهذبة الكاملة { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي حقوقهن من الكمال اللائق بهن وألحقتموهن بالمحصنات من المؤمنات { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ } بل قاصدين تكميلهن واستيلاء الآثار النافعة منهن لا مجرد الصحبة وإفاضة ماء المعارف من غير ثمرة { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإيمَـٰنِ } بأن ينكر الشرائع والحقائق ويمتنع من قبولها { فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } بإنكاره الشرائع { وَهُوَ فِى ٱلأَخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } [المائدة: 5] بإنكاره الحقائق، والظاهر عدم التوزيع، والله تعالى أعلم بمراده، وهو الموفق للصواب.