خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٦٩
-الأعراف

روح المعاني

{ أَوَ عَجبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذكْرٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُل مِّنْكُم ليُنْذرَكُمْ } الكلام فيه كالكلام في سابقه. وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من يشافههم من الكفرة بالكلمات الحمقاء بما حكى عنهم والإعراض عن مقابلتهم بمثل كلامهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة، وفي حكاية ذلك تعليم للعباد كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم، وفي الآية دلالة على جواز مدح الإنسان نفسه للحاجة إليه.

{ وَٱذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ } شروع في بيان ترتيب أحكام النصح والأمانة والإنذار وتفصيلها، و { إذ } ـ على ما يفهم من كلام البعض وصرح به آخرون ـ ظرف منصوب بآلاء المحذوف هنا بقرينة ما بعده لتضمنه معنى الفعل، واختار غير واحد تبعاً للزمخشري أنه مفعول لأذكروا أي اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسام، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه مع أنه المقصود بالذات للمبالغة في إيجاب ذكره ولأنه إذا استحضر الوقت كان هو حاضراً بتفاصيله، وهذا مبني على الاتساع في الظرف أو أنه غير لازم للظرفية على خلاف المشهور عند النحويين، والواو للعطف وما بعده قيل: معطوف على قوله تعالى: { { ٱعْبُدُواْ } [الأعراف: 65] ولا يخفى بعده. وقال شيخ الإسلام: لعله معطوف على مقدر كأنه قيل: لا تعجبوا من ذلك أو تدبروا في أمركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء { منْ بَعْد قَوْم نُوح } أي في مساكنهم أو في الأرض بأن جعلكم ملوكاً فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض فالإسناد على هذا مجاز، وفي ذكر نوح على ما قيل إشارة إلى رفع التعجب يعني هذا الذي جئت به ليس ببدع فاذكروا نوحاً وإرساله إلى قومه وإلى الوعيد والتهديد أي اذكروا إهلاك قومه لتكذيبهم رسول ربهم.

{ وَزَادَكُمْ في ٱلْخَلْق } أي الإبداع والتصوير أو في المخلوقين أي زادكم في الناس على أمثالكم { بَسْطَةً } قوة وزيادة جسم، قال الكلبـي: كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير ستين ذراعاً. وأخرج ابن عساكر عن وهب أنه قال: كانت هامة الرجل منهم مثل القبة العظيمة وعينه يفرخ فيها السباع، وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً، وعن الباقر رضي الله تعالى عنه كانوا كأنهم النخل الطوال وكان الرجل منهم يأتي الجبل فيهدم منه بيده القطعة العظيمة. / وأخرج عبد الله بن أحمد وابن أبـي حاتم عن أبـي هريرة إن كان الرجل منهم ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن ينقلوه وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. وعن بعضهم أن أحدهم كان أطول من سائر الخلق بمقدار ما يمد الإنسان يده فوق رأسه باسطاً لها فطول كل منهم قامة وبسطة وهذا أقرب عند ذوي العقول القصيرة عن إدراك طول يد القدرة. وأخرج إسحاق بن بشر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هوداً عليه السلام كان أصبحهم وجهاً وكان في مثل أجسامهم أبيض جعداً بادي العنفقة طويل اللحية صلى الله عليه وسلم، ونصب { بسطة } على أنه مفعول به للفعل قبله، وقيل: تمييز و { في الخلق } متعلق بالفعل، وجوز أبو البقاء تعلقه بمحذوف وقع حالاً من { بسطة }.

{ فَٱذْكُرُوا ءَالاَءَ ٱلله } أي نعمه سبحانه وتعالى وهي جمع ـ إلْي ـ بكسر فسكون كحمل وأحمال أو ـ أُلْي ـ بضم فسكون كقفل وأقفال أو ـ إلى ـ بكسر ففتح مقصوراً كمعى وأمعاء أو بفتحتين مقصوراً كقفا وأقفاء وبهما ينشد قول الأعشى:

أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحماً ولا يخون إلا

وقيل: إن ما في البيت إلا المشددة لكنها خففت ومعناها العهد وفيه بعد، وهذا تكرير للتذكير لزيادة التقرير وتعميم إثر تخصيص أي اذكروا الآلاء التي من جملتها ما تقدم { لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ } أي لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها الذي من جملته العمل بالأركان والطاعة المؤدي إلى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب وهذا لأن الفلاح لا يترتب على مجرد الذكر. ومن الناس من فسر ذكر الآلاء بشكرها وأمر الترتب عليه ظاهر.