خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
٦٩
مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
-يونس

التحرير والتنوير

استئناف افتتح بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لتنبيه السامعين إلى وعي ما يرد بعد الأمر بالقول بأنه أمر مهم بحيث يطلب تبليغه، وذلك أن المَقُول قضية عامة يحصل منها وعيد للذين قالوا: اتخذ الله ولداً، على مقالتهم تلك، وعلى أمثالها كقولهم: { ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرَّم على أزواجنا } [الأنعام: 139] وقولهم: ما كان لآلهتهم من الحَرث والأنعام لا يصل إلى الله وما كان لله من ذلك يصل إلى آلهتهم، وقولهم: { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } [الإسراء: 90] وأمثال ذلك. فذلك كله افتراء على الله، لأنهم يقولونه على أنه دين، وماهية الدين أنه وضع إلهي فهو منسوب إليه، ويحصل من تلك القضية وعيد لأمثال المشركين من كل من يفتري على الله ما لم يقله، فالمقول لهم ابتداءاً هم المشركون.

والفلاح: حصول ما قصده العامل من عمله بدون انتقاض ولا عاقبة سوء. وتقدم في طالع سورة البقرة (5). فنفي الفلاح هنا نفي لحصول مقصودهم من الكذب وتكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم -

وجملة: { متاعٌ في الدنيا } استئناف بياني، لأن القضاء عليه بعدم الفلاح يتوجه عليه أن يسأل سائل كيف نراهم في عزة وقدرة على أذى المسلمين وصد الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيجاب السائل بأن ذلك تمتيع في الدنيا لا يَعبأ به، وإنما عدم الفلاح مظهره الآخرة، فـــ{ متاع } خبر مبتدأ محذوف يعلم من الجملة السابقة، أي أمرهم متاع.

والمتاع: المنفعة القليلة في الدنيا إذ يقيمون بكذبهم سيادتهم وعزتهم بين قومهم ثم يزول ذلك.

ومادة (متاع) مؤذنة بأنه غير دائم كما تقدم في قوله تعالى: { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } في أوائل سورة الأعراف (24).

وتنكيره مؤذن بتقليله، وتقييده بأنه في الدنيا مؤكد للزوال وللتقليل، و(ثم) من قوله: { ثم إلينا مرجعهم } للتراخي الرتبي لأن مضمونه هو محقة أنهم لا يفلحون فهو أهم مرتبة من مضمون لا يفلحون.

والمرجع: مصدر ميمي بمعنى الرجوع. ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى وقت نفاذ حكمه المباشر فيهم.

وتقديم { إلينا } على متعلَّقه وهو المرجع للاهتمام بالتذكير به واستحضاره كقوله: { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } [النور: 39] إلى قوله { { ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه } [النور: 39] ويجوز أن يكون المرجع كناية عن الموت.

وجملة: { ثم نذيقهم العذاب الشديد } بيان لجملة: { ثم إلينا مرجعهم }. وحرف (ثم) هذا مؤكد لنظيره الذي في الجملة المبينة على أن المراد بالمرجع الحصول في نفاذ حكم الله.

والجمل الأربع هي من المقول المأمور به النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً عن الله تعالى.

وإذاقة العذاب إيصاله إلى الإحساس، أطلق عليه الإذاقة لتشبيهه بإحساس الذوق في التمكن من أقوى أعضاء الجسم حاسية لمس وهو اللسان.

والباء في { بما كانوا يكفرون } للتعليل.

وقوله: { كانوا يكفرون } يؤذن بتكرر ذلك منهم وتجدده بأنواع الكفر.