خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٧٢
-يونس

التحرير والتنوير

الفاء لتفريع الكلام على الكلام فجملة الشرط وجوابه مفرعتان على الجملتين السابقتين، ولما كان توليهم عن دعوته قد وقع واستمر تعين أن جعل التولي في جملة الشرط مرادٌ به ما كان حصل ليرتب عليه جواب الشرط الذي هو شيء قد وقع أيضاً. وإنما قُصد إقرارهم به قطعاً لتعللاتهم واستقصاء لقطع معاذيرهم. والمعنى: فإن كنتم قد توليتم فقد علمتُم أني ما سألتكم أجراً فتتهموني برغبة في نفع ينجر لي من دعوتكم حتى تعرضوا عنها شُحَّا بأموالكم أو اتهاماً بتكذيبي، وهذا إلزام لهم بأن توليهم لم يكن فيه احتمال تهمتهم إياه بتطلب نفع لنفسه. وبذلك برّأ نفسه من أن يكون سبباً لتولّيهم، وبهذا تعين أن المعلق بهذا الشرط هو التحقق بين مضمون جملة الشرط وجملة الجزاء لا وقوعُ جملة الجزاء عند وقوع جملة الشرط. وذلك مثل قوله تعالى: { { إن كنت قلته فقد علِمتَه } في آخر سورة [العقود: 116].وقد تقدم عند قوله تعالى: { وإنْ كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به، وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا } في سورة [الأعراف: 87].

وجملة: { إن أجري إلا على الله } تعميم لنفي تطلبه أجراً على دعوتهم سواء منهم أم من غيرهم، فالقصر حقيقي وبه يحصل تأكيد جملة: { فما سألتكم من أجر } مع زيادة التعميم. وطريقُ جزمه بأن الله يؤجره على ذلك هو وعد الله إياه به بما أوحى إليه.

وأتى بحرف (على) المفيد لكونه حقاً له عند الله بناء على وعد الله إيَّاه وأعلمه بأن الله لا يخلف وعده، فصار بالوعد حقاً على الله التزم الله به.

والأجر: العوض الذي يعطى لأجل عمل يعمله آخذ العوض.

وجملة: { وأمرت أن أكون من المسلمين } معطوفة على جملة الجواب، والتقدير فإن توليتم فأمرت أن أكون من المسلمين، أي أمرني الله أن أتبع الدين الحق ولو كنت وحدي. وهذا تأييس لهم بأن إجماعهم على التولي عنه لا يفل حده ولا يصده عن مخالفة دينهم الضلال.

وبُني فعل { أمرت } للمجهول في اللفظ للعلم به، إذ من المعلوم من سياق الكلام أنّ الذي أمره هو الله تعالى.

وقوله: { أن أكون من المسلمين } أي من الفئة التي يصدق عليها هذا الوصف وهو الإسلام، أي توحيد الله دون عبادة شريك، لأنه مشتق من إسلام العبادة وتخليصها لله تعالى دون غيره. كما في قوله تعالى: { فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنِ } [آل عمران: 20].

وقد سمي التوحيد ودين الحق الخالص إسلاماً في مختلف العصور وسمَّى الله به سُنن الرسل فحكاه عن نوح ـ عليه السلام ـ هنا وعن إبراهيم بقوله تعالى: { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } [البقرة: 131]، وعن إسماعيل { ربنا واجعلنا مُسْلِمَين لك } [البقرة: 128]، ويعقوب وبنيه إذ حكى عنهم { ونحن له مسلمون } [البقرة: 133]، وعن يوسف { توفني مسلماً } [يوسف: 101]، وعن موسى { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } [يونس: 8]، وعن سليمان { أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين } [النمل: 31]، وعن عيسى والحواريين { قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون } [المائدة: 111]. وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً عند قوله تعالى: { ربنا واجعلنا مسلمين لك } في سورة [البقرة: 128].

وقوله: { أن أكون من المسلمين } أقوى في الدلالة على الاتصاف بالإسلام من: أن أكون مسلماً، كما تقدم عند قوله تعالى: { واركعوا مع الراكعين } في سورة [البقرة: 43]، وعند قوله: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } في سورة [براءة: 119].