خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ
١٨
ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
١٩
-هود

التحرير والتنوير

لما انقضى الكلام من إبطال زعمهم أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ افترى القرآن ونسبه إلى الله، وتعجيزهم عن برهان لما زعموه، كَرّ عليهم أن قد وضح أنهم المفترون على الله عدة أكاذيب، منها نفيهم أن يكون القرآن منزّلاً من عنده.

فعطفت جملة { ومن أظلم ممن افترى } على جملة { ومن يكْفر به من الأحزاب فالنار موعده } [هود: 17] لبيان استحقاقهم النار على كفرهم بالقرآن لأنهم كفروا به افتراء على الله إذ نسبوا القرآن إلى غير مَن أنزله، وزعموا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم افتراه، فكانوا بالغين غاية الظلم حتى لقد يسأل عن وجود فريق أظلَمَ منهم سؤالَ إنكار يؤول إلى معنى النفي، أي لا أحد أظلم. وقد تقدّم نظيره في قوله تعالى: { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } في سورة [البقرة: 114]، وفي سورة [الأعراف: 37] في قوله: { فمن أظلم ممّن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته } }.

وافتراؤهم على الله هو ما وضعوه من دين الشرك، كقولهم: إن الأصنام شفعاؤهم عند الله، وقولهم في كثير من أمور دينهم { واللّهُ أمرَنا بها } [الأعراف: 28]. وقال تعالى: { ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } [المائدة: 103] أي إذ يقولون: أمرنا الله بذلك.

وجملة { أولئك يعرضون على ربهم } استئناف. وتصديرها باسم الإشارة للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة من الخَبر بسبب ما قبل اسم الإشارة من الوصف، وهذا أشد الظلم كما تقدم في { أولئك على هدى من ربهم } في سورة [البقرة: 5].

ولمَا يؤذن به اسم الإشارة من معنى تعليل ما قبله فيما بعده علم أن عرضهم على ربهم عَرض زجر وانتقام.

والعرض إذا عدّي بحرف (على) أفاد معنى الإحضار بإراءة.

واختيار وصف السبب للإيماء إلى القدرة عليهم.

وعطف فعل (يقول) على فعل (يعرضون) الذي هو خبر، فهو عطف على جزء الجملة السابقة وهو هنا ابتداء عطف جملة على جملة فكلا الفعلين مقصود بالإخبار عَن اسم الإشارة.

والمعنى أولئك يعرضون على الله للعقاب ويعلن الأشهاد بأنهم كذبوا على ربهم فضحاً لهم.

والأشهاد: جمع شاهد بمعنى حاضر، أو جمع شهيد بمعنى المخبر بما عليهم من الحق. وهؤلاء الأشهادُ من الملائكة.

واستحضارهم بطريق اسم الإشارة لتمييزهم للناس كلهم حتى يشتهر ما سيخبر به عن حالهم، والمقصود من ذلك شهرتهم بالسوء وافتضاحهم.

والإتيانُ بالموصول في الخبر عنهم إيماء إلى سببية ذلك الوصف الذي في الصلة فيما يرد عليهم من الحكم وهو ألا لعنة الله على الظالمين }، على أن المقصود تشهيرهم دون الشهادة. والمقصود من إعلان هذ الصفة التشهير والخزي لا إثبات كذبهم لأن إثبات ذلك حاصل في صحف أعمالهم ولذلك لم يسند العرض إلى أعمالهم وأسند إلى ذواتهم في قوله: { أولئك يعرضون على ربهم }.

وجملة { ألاَ لعنة الله على الظالِمين } من بقية قول الأشهاد. وافتتاحها بحرف التنبيه يناسب مقام التشهير، والخبر مستعمل في الدعاء خزياً وتحقيراً لهم، وممّا يؤيد أنه من قول الأشهاد وقوع نظيره في سورة [الأعراف: 44] مصرحاً فيه بذلك { فأذّن مؤذنٌ بينهم أن لعنة الله على الظالمين } الآية.

وقوله: { الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون } تقدم نظيره في سورة [الأعراف: 45].

وضمير المؤنث في قوله: (يبغونها) عائد إلى سبيل الله لأنّ السبيل يجوز اعتباره مؤنثاً.

والمعنى: أنهم يبغون أن تصير سبيل الله عَوجاء، فعلم أن سبيل الله مستقيمة وأنهم يحاولون أن يصيروها عَوجاء لأنهم يريدون أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم دينهم ويغضبون من مخالفته إياه. وهنا انتهى كلام الأشهاد لأن نظيره الذي في سورة [الأعراف: 44] في قوله: { فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } الآية انتهى بما يماثل آخر هذه الآية.

واختصت هذه الآية على نظيرها في الأعراف بزيادة (هم) في قوله: { هم كافرون } وهو توكيد يفيد تقوّي الحكم لأن المقام هنا مقام تسجيل إنكارهم البعث وتقريرِه إشعاراً بما يترقبهم من العقاب المناسب فحكي به من كلام الأشهاد ما يناسب هذا، وما في سورة الأعراف حكاية لما قيل في شأن قوم أُدخلوا النار وظهر عقابهم فلا غَرض لحكاية ما فيه تأكيد من كلام الأشهاد، وكلا المقالتين واقع وإنما يحكي البليغ فيما يحكيه ما له مناسبة لمقام الحكاية.