خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢١
لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٢٢
-هود

التحرير والتنوير

استئناف، واسم الإشارة هنا تأكيد ثان لاسم الإشارة في قوله: { أولئك يعرضون على ربهم } [هود: 18].

والموصول في { الذين خسروا أنفسهم } مراد به الجنس المعروف بهذه الصلة، أي إن بلغكم أنّ قوماً خسروا أنفسهم فهم المفترون على الله كذباً، وخسارة أنفسهم عدم الانتفاع بها في الاهتداء، فلما ضلوا فقد خسروها.

وتقدم الكلام على { خسروا أنفسهم } عند قوله تعالى: { الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون } في سورة [الأنعام: 12].

والضلال: خطأ الطريق المقصود.

و{ ما كانوا يفترون } ما كانوا يزعمونه من أن الأصنام تشفع لهم وتدفع عنهم الضر عند الشدائد، قال تعالى: { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } [الأحقاف: 28].

وفي إسناد الضلال إلى الأصنام تهكم على أصحابها. شبهت أصنامهم بمن سلك طريقاً ليلحق بمن استنجد به فضَلّ في طريقه.

وجملة { لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون } مستأنفة فذلكة ونتيجة للجمل المتقدمة من قوله: { { أولئك يعرضون على ربهم } [هود: 18] لأنّ ما جمع لهم من الزج للعقوبة ومن افتضاح أمرهم ومن إعراضهم عن استماع النذر وعن النظر في دلائل الوحدانية يوجب اليقين بأنهم الأخسرون في الآخرة.

و(لا جرم) كلمة جزْم ويقين جرت مجرى المثل، وأحسب أن (جرم) مشتقّ مما تنوسي، وقد اختلف أيمّة العربية في تركيبها، وأظهر أقوالهم أن تكون (لا) من أول الجملة و(جرم) اسم بمعنى محالة أي لا محالة أو بمعنى بدّ أي لا بدّ. ثم يجيء بعدها أنّ واسمها وخبرها فتكون (أنّ) معمولة لحرف جرّ محذوف. والتقدير: لا جرم من أن الأمر كذا. ولما فيها من معنى التحقيق والتوثيق وتعامل معاملة القسم فيجيء بعدها في ما يصلح لجواب قسم نحو: لا جرم لأفعلن. قاله عمرو بن معد يكرب لأبي بكر.

وعبر عمّا لحقهم من الضر بالخسارة استعارة لأنه ضر أصابهم من حيث كانوا يرجون المنفعة فهم مثل التجار الذين أصابتهم الخسارة من حيث أرادوا الربح.

وإنما كانوا أخسرين، أي شديدي الخسارة لأنهم قد اجتمع لهم من أسباب الشقاء والعذاب ما افترق بين الأمم الضالة. ولأنهم شقُوا من حيث كانوا يحسبونه سعادة قال تعالى: { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } [الكهف: 103، 104] فكانوا أخسرين لأنهم اجتمعت لهم خسارة الدنيا والآخرة.

وضمير { هم الأخسرون } ضمير فصل يفيد القصر، وهو قصر ادّعائي، لأنهم بلغوا الحد الأقصى في الخسارة، فكأنّهم انفردوا بالأخسرية.