خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٣
-يوسف

التحرير والتنوير

ظاهر ترتيب الكلام أن هذا من كلام امرأة العزيز، مضت في بقية إقرارها فقالت: { وما أبرىء نفسي }. وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها: { { ذلك لِيَعْلَم أني لم أخنْه بالغيب } [سورة يوسف: 52] من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب العظيم ادعاءٌ بأن نفسها بريئة براءة عامة فقالت: { وما أبرىء نفسي }، أي ما أبرىء نفسي من محاولة هذا الإثم لأن النفس أمّارة بالسوء وقد أمرتني بالسوء ولكنه لم يقع.

فالواو التي في الجملة استئنافية، والجملة ابتدائية.

وجمة { إن النفس لأمارة بالسوء } تعليل لجملة { وما أبرىء نفسي }، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب، لأن النفوس كثيرة الأمر بالسوء.

والاستثناء في { إلا ما رحم ربي } استثناء من عموم الأزمان، أي أزمان وقوع السوء، بناءً على أن أمر النفس به يبعث على ارتكابه في كلّ الأوقات إلاّ وقت رحمة الله عبده، أي رحمته بأن يقيّض له ما يصرفه عن فعل السوء، أو يقيض حائلاً بينه وبين فعل السوء، كما جعل إباية يوسف ــــ عليه السلام ــــ من إجابتها إلى ما دعتْه إليه حائلاً بينها وبين التورط في هذا الإثم، وذلك لطف من الله بهما.

ولذلك ذيلته بجملة { إن ربي غفور رحيم } ثناءً على الله بأنه شديد المغفرة لمن أذنب، وشديد الرحمة لعبده إذا أراد صرفه عن الذنب.

وهذا يقتضي أن قومها يؤمنون بالله ويحرمون الحرام، وذلك لا ينافي أنهم كانوا مشركين فإن المشركين من العرب كانوا يؤمنون بالله أيضاً، قال تعالى: { { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُن الله } [سورة العنكبوت: 61] وكانوا يعرفون البر والذنب.

وفي اعتراف امرأة العزيز بحضرة الملك عبرة بفضيلة الاعتراف بالحق، وتبرئة البريء مما ألصق به، ومن خشية عقاب الله الخائنين.

وقيل: هذا الكلام كلام يوسف عليه السلام متصل بقوله: { { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } الآية [سورة يوسف: 50].

وقوله: { { قال ما خَطْبُكُنّ إذ رَاوَدْتُنّ يوسف } [سورة يوسف: 51] إلى قوله { { وأن الله لا يهدي كَيْد الخائنين } [سورة يوسف: 52] اعتراض في خلال كلام يوسف عليه السلام. وبذلك فسّرها مجاهد وقتادة وأبو صالح وابن جريج والحسن والضحّاك والسدّي وابن جبير، واقتصر عليه الطبري. قال في الكشاف: (وكفى بالمعنى دليلاً قائداً إلى أن يجعل من كلام يوسف ــــ عليه السلام ــــ، ونحوُه قوله: { { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم } [سورة الأعراف: 109 - 110] ثم قال { { فماذا تأمرون } [سورة الأعراف: 110] وهو من كلام فرعون يخاطبهم ويستشيرهم) ا هـ. يريد أن معنى هذه الجملة أليق بأن يكون من كلام يوسف عليه السلام لأن من شأنه أن يصدر عن قلب مليء بالمعرفة.

وعلى هذا الوجه يكون ضمير الغيبة في قوله: { { لم أخنه } [سورة يوسف: 52] عائداً إلى معلوم من مقام القضية وهو العزيز، أي لم أخن سيدي في حرمته حال مغيبه.

ويكون معنى { وما أبرىء نفسي } الخ. مثل ما تقدم قصد به التواضع، أي لست أقول هذا ادعاء بأن نفسي بريئة من ارتكاب الذنوب إلا مدة رحمة الله النفس بتوفيقها لأكف عن السوء، أي أني لم أفعل ما اتهمت به وأنا لست بمعصوم.