خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ
٢٨
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ
٢٩
-الرعد

التحرير والتنوير

استئناف اعتراضي مناسبتهُ المُضادةُ لحال الذين أضلهم الله، والبيانُ لحال الذين هداهم مع التنبيه على أن مثال الذين ضلوا هو عدم اطمئنان قلوبهم لذكر الله، وهو القرآن، لأن قولهم: { لولا أنزل عليه آية من ربه } يتضمن أنهم لم يعدوا القرآن آية من الله، ثم التصريح بجنس عاقبة هؤلاء، والتعريض بضد ذلك لأولئك، فذكرها عقب الجملة السابقة يفيد الغرضين ويشير إلى السببين. ولذلك لم يجعل { الذين آمنوا } بدلاً من { { من أناب } [الرعد: 27] لأنه لو كان كذلك لم تعطف على الصلة جملة { وتطمئن قلوبهم } ولا عطف { وعملوا الصالحات } على الصلة الثانية. فـــ { الذين آمنوا } الأول مبتدأ، وجملة { ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب } معترضة و{ الذين آمنوا } الثاني بدل مطابق من { الذين آمنوا } الأول، وجملة { طوبى لهم } خبر المبدأ.

والاطمئنان: السكون، واستعير هنا لليقين وعدم الشك، لأن الشك يستعار له الاضطراب. وتقدم عند قوله تعالى: { { ولكن ليطمئن قلبي } في سورة البقرة (260).

و(ذكر الله) يجوز أن يراد به خشية الله ومراقبته بالوقوف عند أمره ونهيه. ويجوز أن يراد به القرآن قال: { { وإنه لذكر لك ولقومك } [سورة الزخرف: 44]، وهو المناسب قولهم: { لولا أنزل عليه آية من ربه }. وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة الزمر: { { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } [سورة الزمر: 22]، أي للذين كان قد زادهم قسوة قلوب، وقوله في آخرها: { { ثم تلين جُلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } [سورة الزمر: 23].

والذكر من أسماء القرآن، ويجوز أن يراد ذكر الله باللسان فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته.

وهذا وصف لحسن حال المؤمنين ومقايستهِ بسوء حالة الكافرين الذين غمر الشك قلوبهم، قال تعالى: { { بل قلوبهم في غمرة من هذا } [سورة المؤمنون: 63].

واختير المضارع في { تطمئن } مرتين لدلالته على تجدد الاطمئنان واستمراره وأنه لا يتخلله شك ولا تردد.

وافتتحت جملة { إلا بذكر الله } بحرف التنبيه اهتماماً بمضمونها وإغراء بوعيه. وهي بمنزلة التذييل لما في تعريف { القلوب } من التعميم. وفيه إثارة الباقين على الكفر على أن يتسموا بسمة المؤمنين من التدبير في القرآن لتطمئن قلوبهم، كأنه يقول: إذا علمتم راحة بال المؤمنين فماذا يمنعكم بأن تكونوا مثلهم فإن تلك في متناولكم لأن ذكر الله بمسامعكم.

وطوبى: مصدر من طاب طيباً إذا حسن، وهي بوزن البُشرى والزلفى، قلبت ياؤها واواً لمناسبة الضمة، أي لهم الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر، فهم في طيب حال: في الدنيا بالاطمئنان، وفي الآخرة بالنعيم الدائم وهو حسن المئاب وهو مرجعهم في آخر أمرهم.

وإطلاق المآب عليه باعتبار أنه آخرُ أمرهم وقرارهم كما أن قرار المرء بيته يرجع إليه بعد الانتشار منه. على أنه يناسب ما تقرر أن الأرواح من أمر الله، أي من عالم الملكوت وهو عالم الخلد فمصيرها إلى الخلد رجوع إلى عالمها الأول. وهذا مقابل قوله في المشركين { ولهم سوء الدار }.

واللام في قوله: { لهم } للملك.