خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ
٦١
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
٦٢
قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ
٦٣
وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٦٤
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ
٦٥
-الحجر

التحرير والتنوير

تفريع على حكاية قصتهم مع إبراهيم وقد طوي ما هو معلوم من خروج الملائكة من عند إبراهيم. والتقدير: ففارقوه وذهبوا إلى لوط فلما جاءوا لوطاً.

وعُبر بآل لوط ــــ عليه السلام ــــ لأنهم نزلوا في منزلة بين أهله فجاءوا آله وإن كان المقصود بالخطاب والمجيء هو لوط.

وتولى لوط ــــ عليه السلام ــــ تلقيهم كما هو شأن كبير المنزل ولكنه وجدهم في شكل غير معروف في القبائل التي كانت تمر بهم فألهم إلى أن لهم قصة غريبة ولذلك قال لهم: { إنكم قوم منكرون }، أي لا تعرف قبيلتكم. وتقدم عند قوله تعالى: { { نكرهم } في سورة هود (70) وقد أجابوه بما يزيل ذلك إذ { قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون } إضراباً عن قوله: { إنكم قوم منكرون } وإبطالاً لما ظنه من كونهم من البشر الذين لم يعرف قبيلتهم فلا يأمنهم أن يعاملوه بما يضرّه.

وعبر عن العذاب بــــ «ما كانوا فيه يمترون» إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو التعذيب، أي بالأمر الذي كان قومك يشكون في حلوله بهم وهو العذاب، فعلم أنهم ملائكة.

والمراد بالحق الخبر الحق، أي الصدق، ولذلك ذيل بجملة { وإنا لصادقون }.

وقوله: { قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون } حكاية لخطاب الملائكة لوطا ــــ عليه السلام ــــ لمعنى عباراتهم محولة إلى نظم عربي يفيد معنى كلامهم في نظم عربي بليغ، فبِنَا أن نبيّن خصائص هذا النظم العربي:

فإعادة فعل { أتيناك } بعد واو العطف مع أن فعل { أتيناك } مرادف لفعل { جئناك } دون أن يقول: و{ بالحق }، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف. والتعبيرُ في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد، كقوله تعالى في سورة الفرقان (33): { ولا يأتونك بمَثَل إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيراً } }. وعليه تكون الباء في قوله: { بما كانوا فيه يمترون } وقوله: { بالحق } للملابسة.

ويحتمل أن تكون لِذكر الفعل الثاني وهو { وأتيناك } خصوصية لا تفي بها واو العطف وهي مراعاة اختلاف المجرورين بالباء في مناسبة كل منهما للفعل الذي تعلق هو به. فلما كان المتعلق بفعل { جئناك } أمراً حسياً وهو العذاب الذي كانوا فيه يمترون، وكان مما يصح أن يسند إليه المجيء بمعنًى كالحقيقي، إذ هو مجيء مجازي مشهور مساوٍ للحقيقي، أوثر فعل { جئناك } ليسند إلى ضمير المخاطبين ويعلق به «ما كانوا فيه يمترون». وتكون الباء المتعلقة به للتعدية لأنهم أجاءوا العذاب، فموقع قوله تعالى: { بما كانوا فيه يمترون } مَوقع مفعول به، كما تقول (ذهبتُ به) بمعنى أذهبتُه وإن كنتَ لم تذهب معه، ألاَ ترى إلى قوله تعالى: { { فإما نذهبنّ بك } [سورة الزخرف: 41] أي نُذهبك من الدنيا، أي نميتك. فهذه الباء للتعدية وهي بمنزلة همزة التعدية.

وأما متعلق فعل { أتيناك } وهو { بالحق } فهو أمر معنوي لا يقع منه الإتيان فلا يتعلق بفعل الإتيان فغُيرت مادة المجي إلى مادة الإتيان تنبيهاً على إرادة معنى غير المراد بالفعل السابق، أعني المجيء المجازي. فإن هذا الإتيان مسند إلى الملائكة بمعناه الحقيقي، وكانوا في إتيانهم ملابسين للحق، أي الصدق، وليس الصدق مسنداً إليه الإتيانُ. فالباء في قوله تعالى: { بالحق } للملابسة لا للتعدية.

والقِطْع ــــ بكسر القاف وسكون الطاء ــــ الجزء الأخير من الليل. وتقدم عند قوله تعالى: { { قطعاً من الليل مظلماً } في سورة يونس (27).

وأمروه أن يجعل أهله قُدامه ويكون من خلفهم، فهو يتبع أدبارهم، أي ظهورهم ليكون كالحائل بينهم وبين العذاب الذي يحل بقومه بعقب خروجه تنويهاً ببركة الرسول عليه السلام، ولأنهم أمروه أن لا يلتفت أحد من أهله إلى ديار قومهم لأن العذاب يكون قد نزل بديارهم. فبكونه وراء أهله يخافون الالتفات لأنه يراقبهم. وقد مضى تفصيل ذلك في سورة هود، وأن امرأته التفتت فأصابها العذاب.

{ وحيث تؤمرون } أي حيث تؤمرون بالمضي. ولم يبينوا له المكان الذي يقصده إلا وقت الخروج، وهو مدينة عمورية، كما تقدم في سورة هود.