خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٨٠
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
٨١
وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ
٨٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ
٨٣
فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٤
-الحجر

التحرير والتنوير

جُمِعتْ قصص هؤلاء الأمم الثّلاث: قوممِ لوط، وأصحابِ الأيكة، وأصحاب الحجر في نسق، لتماثل حال العذاب الّذي سلط عليها وهو عذاب الصّيحة والرّجفة والصّاعقة.

وأصحاب الحِجر هم ثمود كانوا ينزلون الحِجر ــــ بكسر الحاء وسكون الجيم ــــ. والحجر: المكان المحجور، أي الممنوع من النّاس بسبب اختصاص به، أو اشتقّ من الحجارة لأنهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبل نحتاً محكماً. وقد جعلت طبقات وفي وسطها بئر عظيمة وبئار كثيرة.

والحجر هو المعروف بوادي القرى وهو بين المدينة والشّام، وهو المعروف اليوم باسم مدائن صالح على الطريق من خيبر إلى تبوك.

وأما حَجر اليمامة مدينةُ بني حنيفة فهي ــــ بفتح الحاء ــــ وهي في بلاد نَجد وتسمى العَروض وهي اليوم من بلاد البحرين.

وقد توهّم بعض المستشرقين من الإفرنج أن البيوت المنحوتة في ذلك الجبل كانت قبوراً، وتعلقوا بحجج وهمية. ومما يفنّد أقوالهم خلوّ تلك الكهوف عن أجساد آدمية. وإذا كانت تلك قبوراً فأين كانت منازل الأحياء؟.

والظاهر أن ثمود لما أخذتهم الصّيحة كانوا منتشرين في خارج البيوت لقوله تعالى: { فأخذتهم الصيحة مصبحين }. وقد وُجدت في مداخل تلك البيوت نقر صغيرة تدلّ على أنّها مجعولة لوصد أبواب المداخل في اللّيل.

وتعريف { المرسلين } للجنس، فيصدق بالواحد، إذ المراد أنّهم كذبوا صالحاً ــــ عليه السلام ــــ فهو كقوله تعالى: { { كذبت قوم نوح المرسلين } [سورة الشعراء: 105]. وقد تقدم. وكذلك جمع الآيات في قوله: آياتنا } مراد به الجنس، وهي آية النّاقة، أو أريد أنها آية تشتمل على آيات في كيفيّة خروجها من صخرة، وحياتها، ورعيها، وشربها. وقد روي أنّها خرج معها فصيلها، فهما آيتان.

وجملة { وكانوا ينحتون } معترضة. والنّحتُ: بَرْي الحجر أوالعود من وسطه أو من جوانبه.

و{ من الجبال } تبعيض متعلق بــــ { ينحتون }. والمعنى من صخر الجبال، لما دلّ عليه فعل { ينحتون }.

و{ آمنين } حال من ضمير { ينحتون } وهي حال مقدرة، أي مقدرين أن يكونوا آمنين عقب نحتها وسكناها. وكانت لهم بمنزلة الحصون لا ينالهم فيها العدو.

ولكنهم نسوا أنها لا تأمنهم من عذاب الله فلذلك قال: { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون }.

والفاء في { فأخذتهم الصيحة } للتعقيب والسببية. و{ مصبحين } حال، أي داخلين في وقت الصّباح.

و{ ما كانوا يكسبون } أي يصنعون، أي البيوت التي عُنوا بتحصينها وتحسينها كما دلّ عليه فعل { كانوا }. وصيغة المضارع في { يكسبون } لدلالتها على التكرّر والتجدّد المكنّى به عن إتقان الصنعة. وبذلك كان موقع الموصول والصلة أبلغ من موقع لفظ (بيوتهم) مثلاً، ليدل على أن الذي لم يغن عنهم شيءٌ متّخذ للإغناء ومن شأنه ذلك.