خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ
١٠٨
لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ
١٠٩
-النحل

التحرير والتنوير

جملة مبيّنة لجملة { { وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } [سورة النحل: 107] بأن حرمانهم الهداية بحرمانهم الانتفاع بوسائلها: من النظر الصادق في دلائل الوحدانية، ومن الوعي لدعوة الرسول والقرآن المنزّل عليه، ومن ثبات القلب على حفظ ما داخله من الإيمان، حيث انسلخوا منه بعد أن تلبّسوا به.

وافتتاح الجملة باسم الإشارة لتمييزهم أكمل تمييز تبييناً لمعنى الصّلة المتقدمة، وهي اتصافهم بالارتداد إلى الكفر بعد الإيمان بالقول والاعتقاد.

وأخبر عن اسم الإشارة بالموصول لما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الحكم المبين بهذه الجملة. وهو مضمون جملة { { فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } [النحل: 106].

والطّبع: مستعار لمنع وصول الإيمان وأدِلّته، على طريقة تشبيه المعقول بالمحسوس. وقد تقدّم مفصّلاً عند قوله تعالى: { { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة } في سورة البقرة (7)

وجملة { وأولئك هم الغافلون } تكملة للبيان، أي الغافلون الأكملون في الغفلة، لأن الغافل البالغ الغاية ينافي حالة الاهتداء.

والقصر قصر موصوف على صفة، وهو حقيقي ادعائي يقصد به المبالغة، لعدم الاعتداد بالغافلين غيرهم، لأنهم بلغوا الغاية في الغفلة حتى عُدّ كل غافلٍ غيرهم كمن ليس بغافل. ومن هنا جاء معنى الكَمال في الغفلة لا من لام التّعريف.

وجملة { لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون } واقعة موقع النتيجة لما قبلها، لأن ما قبلها صار كالدليل على مضمونها، ولذلك افتتحت بكلمة نفي الشكّ.

فإن { لا جَرم } بمعنى (لا محالة) أو (لا بُد). وقد تقدّم آنفاً في هذه السورة عند قوله تعالى: { لا جرم أن الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون } وتقدم بسط تفسيرها عند قوله تعالى: { { لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون } في سورة هود (22).

والمعنى: أن خسارتهم هي الخسارة، لأنهم أضاعوا النعيم إضاعة أبدية.

ويجري هذا المعنى على كلا الوجهين المتقدّمين في ما صْدق (مَن) من قوله: { { من كفر بالله } [سورة النحل: 106] الآية.

ووقع في سورة هود (22) { هم الأخسرون } ووقع هنا { هم الخاسرون } لأن آية سورة هود (21) تقدّمها { { أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } فكان المقصود بيان أن خسارتهم في الآخرة أشدّ من خسارتهم في الدنيا.