خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٤
-النحل

التحرير والتنوير

القول في هذا الاستدلال وإدماج الامتنان فيه كالقول فيما سبق.

وتقدّم الكلام على تسخير الفلك في البحر وتسخير الأنهار في أثناء سورة إبراهيم.

ومن تسخير البحر خلقه على هيئة يمكن معها السبح والسير بالفلك، وتمكين السابحين والماخرين من صيد الحيتان المخلوقة فيه والمسخّرة لحيل الصائدين. وزيد في الامتنان أن لحم صيده طريّ.

و (مِن) ابتدائية، أي تأكلوا لحماً طريّاً صادراً من البحر.

والطريّ: ضد اليابس. والمصدر: الطراوة. وفعله: طَرو، بوزن خَشُن.

والحلية: ما يتحلّى به الناس، أي يتزينون. وتقدم في قوله تعالى { { ابتغاء حلية } في سورة الرعد (17). وذلك اللؤلؤ والمَرجان؛ فاللؤلؤ يوجد في بعض البحار مثل الخليج الفارسي، والمرجان يوجد في جميع البحار ويكثر ويقلّ. وسيأتي الكلام على اللؤلؤ في سورة الحجّ، وفي سورة الرحمان. ويأتي الكلام على المَرجان في سورة الرحمٰن.

والاستخراج: كثرة الإخراج، فالسين والتاء للتأكيد مثل: استجاب لمعنى أجاب.

واللبس: جعل الثوب والعمامة والمصوغ على الجسد. يقال: لبس التاج، ولبس الخاتم، ولبس القميص. وتقدم عند قوله تعالى: { { قد أنزلنا عليكم لباسا } في سورة الأعراف (26).

وإسناد لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور تغليب، وإلا فإن غالب الحلية يلبسها النساء عدا الخواتيم وحلية السيوف.

وجملة { وترى الفلك مواخر فيه } معترضة بين الجمل المتعاطفة مع إمكان العطف لقصد مخالفة الأسلوب للتعجيب من تسخير السير في البحر باستحضار الحالة العجيبة بواسطة فعل الرؤية. وهو يستعمل في التعجيب كثيراً بصيغ كثيرة نحو: ولو ترى، وأرأيت، وماذا تَرى. واجتلاب فعل الرؤية في أمثاله يفيد الحثّ على معرفة ذلك. فهذا النظم للكلام لإفادة هذا المعنى ولولاها لكان الكلام هكذا: وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وتبتغوا من فضله في فُلْكٍ مواخرَ.

وعطف { ولتبتغوا } على { وتستخرجوا } ليكون من جملة النّعم التي نشأت عن حكمة تسخير البحر. ولم يجعل علة لمخر الفلك كما جعل في سورة فاطر (12) { وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله } لأن تلك لم تصدر بمنّة تسخير البحر بل جاءت في غرض آخر.

وأعيد حرف التعليل في قوله تعالى: { ولتبتغوا من فضله } لأجل البعد بسبب الجملة المعترضة.

والابتغاء من فضل الله: التجارة كما عبّر عنها بذلك في قوله تعالى { { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } في سورة البقرة (198).

وعطف { ولعلكم تشكرون } على بقية العلل لأنه من الحكم التي سخّر الله بها البحر للناس حملاً لهم على الاعتراف لله بالعبودية ونبذهم إشراك غير ربّه فيها. وهو تعريض بالذين أشركوا.