كان استعجالُهم بالعذاب استهزاءً بالرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبه، وكان ناشئاً عن عقيدة الإشراك التي من أصولها استحالة إرسال الرسل من البشر.
وأُتبع تحقيق مجيء العذاب بتنزيه الله عن الشريك فقفّي ذلك بتبرئة الرسول ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ من الكذب فيما يبلغه عن ربّه ووصف لهم الإرسال وصفاً موجزاً. وهذا اعتراض في أثناء الاستدلال على التوحيد.
والمراد بالملائكة الواحد منهم وهو جبرئيل ــــ عليه السلام ــــ.
والروح: الوحي. أطلق عليه اسم الروح على وجه الاستعارة لأن الوحي به هدي العقول إلى الحقّ، فشبّه الوحي بالروح كما يشبّه العلم الحقّ بالحياة، وكما يشبّه الجهل بالموت قال تعالى:
{ { أومن كان ميتاً فأحييناه } [سورة الأنعام: 122]. ووجه تشبيه الوحي بالروح أن الوحي إذا وعته العقول حلّت بها الحياة المعنوية وهو العلم، كما أن الروح إذا حلّ في الجسم حلّت به الحياة الحسيّة، قال تعالى:
{ { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [سورة الشورى: 52]. ومعنى { من أمره } الجنس، أي من أموره، وهي شؤونه ومقدراته التي استأثر بها. وذلك وجه إضافته إلى الله كما هنا وكما في قوله تعالى: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا }، وقوله تعالى:
{ { يحفظونه من أمر الله } [سورة الرعد: 11]، وقوله تعالى: { { قل الروح من أمر ربي } [سورة الإسراء: 85] لما تفيده الإضافة من التخصيص. وقرأ الجمهور { ينزل } ــــ بياء تحتية مضمومة وفتح النون وتشديد الزاي مكسورة ــــ. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب ــــ بسكون النون وتخفيف الزاي مكسورة، و{ الملائكة } منصوباً.
وقرأه روح عن يعقوب ــــ بتاء فوقية مفتوحة وفتح النون وتشديد الزاي مفتوحة ورفع { الملائكة } على أن أصله تتنزل.
وقوله تعالى: { على من يشاء من عباده } رد على فنون من تكذيبهم؛ فقد قالوا:
{ { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [سورة الزخرف: 31] وقالوا: { { فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب } [سورة الزخرف: 53] أي كان ملكاً، وقالوا: { { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } [سورة الفرقان: 7]. ومشيئة الله جارية على وفق حكمته، قال تعالى: { الله أعلم حيث يجعل رسالته } [سورة الأنعام: 124]. { وأن أنذروا } تفسير لفعل { ينزل } لأنه في تقدير ينزل الملائكة بالوحي.
وقوله: { بالروح من أمره على من يشاء من عباده } اعتراض واستطراد بين فعل { ينزل } ومفسره.
و{ أنه لا إلٰه إلا أنا } متعلق بــــ{ أنذروا } على حذف حرف الجر حذفاً مطرداً مع (أنّ). والتقدير: أنذروا بأنه لا إله إلا أنا. والضمير المنصوب بــــ (أنّ) ضمير الشأن. ولما كان هذا الخبر مسوقاً للذين اتّخذوا مع الله آلهة أخرى وكان ذلك ضلالاً يستحقون عليه العقاب جعل إخبارهم بضدّ اعتقادهم وتحذيرهم مما هم فيه إنذاراً.
وفرع عليه { فاتقون } وهو أمر بالتقوى الشاملة لجميع الشريعة.
وقد أحاطت جملة { أن أنذروا } إلى قوله تعالى: { فاتقون } بالشريعة كلها، لأن جملة { أنذروا أنه لا إلٰه إلا أنا } تنبيه على ما يرجع من الشريعة إلى إصلاح الاعتقاد وهو الأمر بكمال القوة العقلية.
وجملة { فاتقون } تنبيه على الاجتناب والامتثال اللذين هما منتهى كمال القوة العملية.