خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ
٥٥
-طه

التحرير والتنوير

مستأنفة استئنافاً ابتدائياً. وهذا إدماج للتذكير بالخلق الأول ليكون دليلاً على إمكان الخلق الثاني بعد الموت. والمناسبة متمكنة؛ فإن ذكر خلق الأرض ومنافعها يستدعي إكمال ذكر المهم للنّاس من أحوالها، فكان خلق أصل الإنسان من الأرض شبيهاً بخروج النبات منها. وإخراج النّاس إلى الحشر شبيه بإخراج النبات من الأرض. قال تعالى: { { والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً } [نوح: 17، 18].

وتقديم المجرورات الثلاثة على متعلَّقاتها؛ فأما المجرور الأول والمجرور الثالث فللاهتمام بكون الأرض مبدأ الخلق الأول والخلق الثاني. وأما تقديم { وفِيهَا نُعِيدكُم } فللمزاوجة مع نظيريه.

ودل قوله تعالى: { وفِيهَا نُعيدُكُم } على أن دفن الأموات في الأرض هو الطريقة الشرعيّة لمواراة الموتى سواء كان شَقّاً في الأرض أو لحْداً، لأن كليهما إعادة في الأرض؛ فما يأتيه بعض الأمم غير المتدينة من إحراق الموتى بالنّار، أو إغراقهم في الماء، أو وضعهم في صناديق فوق الأرض، فذلك مخالف لسنّة الله وفطرته. لأنّ الفطرة اقتضت أنّ الميت يسقط على الأرض فيجب أن يوارى فيها. وكذلك كانت أول مواراة في البشر حين قتَل أحدُ ابني آدم أخَاه. كما قال تعالى في سورة العقود (31) { { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض لِيُريَه كيف يُوارِي سوْأة أخيه قال يا ويْلَتَىٰۤ أعجَزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوَارِيَ سوأة أخي } فجاءت الشرائع الإلهيّة بوجوب الدفن في الأرض.

والتّارة: المرة، وجمعها تارات. وأصل ألفها الواو. وقال ابن الأعرابي: أصل ألفها همزة فلمّا كثر استعمالهم لها تركوا الهمزة. وقال بعضهم: ظهر الهمز في جمعها على فِعَل فقالوا: تِئَر بالهمز. ويظهر أنّها اسم جامد ليس له أصل مشتق منه.

والإخراج: هو إخراجها إلى الحشر بعد إعادة هياكل الأجسام في داخل الأرض، كما هو ظاهر قوله { ومنها نُخْرِجُكُم }، ولذلك جعل الإخراج تارة ثانية للخلق الأول من الأرض. وفيه إيماء إلى أن إخراج الأجساد من الأرض بإعادة خلقها كما خلقت في المرّة الأولى، قال تعالى: { { كما بدَأنا أوَّل خلق نُعيده } [الأنبياء: 104].