خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ
٧٨
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ
٧٩
-طه

التحرير والتنوير

الفاء فصيحة عاطفة على مقدر يدلّ عليه الكلام السابق، أي فسرى بهم فأتبعهم فرعون، فإن فرعون بعد أن رأى آيات غضب الله عليه وعلى قومه وأيقن أنّ ذلك كله تأييد لموسى أذن لموسى وهارون أن يخرجا بني إسرائيل، وكان إذْن فرعون قد حصل ليلاً لحدوث موتان عظيم في القبط في ليلة الشهر السابع من أشهر القبط وهو شهر (برمهات) وهو الذي اتّخذه اليهود رأس سنتهم بإذن من الله وسمّوه (تِسّرِي) فخرجوا من مدينة (رعمسيس) قاصدين شاطىء البحر الأحمر. وندم فرعون على إطلاقهم فأراد أن يلحقهم ليرجعهم إلى مدينته، وخرج في مركبته ومعه ستمائة مركبة مختارة ومركبات أخرى تحمل جيشه.

وأتْبَع: مرادف تَبِع. والباء في { بجُنُودِهِ } للمصاحبة.

واليمّ: البحر. وغشيانه إياهم: تغطيته جُثَثَهم، أي فغرِقوا.

وقوله { مَا غَشِيَهُمْ } يفيد ما أفاده قوله { فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمّ } إذ من المعلوم أنهم غشيهم غاشٍ، فتعيّن أن المقصود منه التهويل، أي بلغ من هول ذلك الغرق أنّه لا يستطاع وصفه. قال في «الكشاف»: «هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة». وهذا الجزء من القصة تقدم في سورة يونس.

وجملة { وأضلّ فرعونُ قومه } في موضع الحال من الضمير في { غَشِيَهُمْ }. والإضلال: الإيقاع في الضلال، وهو خطأ الطريق الموصّل. ويستعمل بكثرة في معنى الجهالة وعَمَل ما فيه ضرّ وهو المراد هنا. والمعنى: أنّ فرعون أوقع قومه في الجهالة وسوء العاقبة بما بثّ فيهم من قلب الحقائق والجهل المركب، فلم يصادفوا السداد في أعمالهم حتى كانت خاتمتها وقوعهم غرقى في البحر بعناده في تكذيب دعوة موسى ــــ عليه السلام ــــ.

وَعَطْفُ { وما هدى } على { أضلّ }: إما من عطف الأعمّ على الأخص لأنّ عدم الهدى يصدق بترك الإرشاد من دون إضلال؛ وإما أن يكون تأكيداً لفظياً بالمرادف مؤكداً لنفي الهدى عن فرعون لقومه فيكون قوله { وما هدى } تأكيداً لـ{ أضلّ } بالمرادف كقوله تعالى: { { أموات غير أحياء } [النحل: 21] وقول الأعشى:

حفاة لا نعال لنا

» من قوله:

إمّا تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعال لناإنّا كذلككِ ما نحفَى وننتعل

وفي «الكشاف»: إن نكتة ذكر { وما هدى } التهكم بفرعون في قوله { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } اه. يعني أن في قوله { وما هدى } تلميحاً إلى قصة قوله المحكي في سورة غافر (29): { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد } وما في هذه من قوله { بطريقتكم المثلى } [طه: 63]، أي هي هَدْي، فيكون من التلميح إلى لفظ وقع في قصة مفضياً إلى التلميح إلى القصة كما في قول مُهلهل:

لو كُشِف المقابرُ عن كُليبفخُبّر بالذّنائب أيُّ زير

يشير إلى قول كُليب له على وجه الملامة: أنتَ زِير نساء.