عطف على
{ وأيوبَ } [الأنبياء: 83] أي وآتينا إسماعيل وإدريس وذا الكفل حُكماً وعلماً.وجُمع هؤلاء الثلاثة في سلك واحد لاشتراكهم في خصيصية الصبر كما أشار إليه قوله تعالى { كل من الصابرين }. جرى ذلك لمناسبة ذكر المثل الأشهر في الصبر وهو أيوب.
فأما صبر إسماعيل ــــ عليه السلام ــــ فقد تقرّر بصبره على الرضى بالذبح حين قال له إبراهيم:
{ إني أرى في المنام أني أذبحك } [الصافات: 102] فقال: { { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [الصافات: 102]، وتقرر بسكناه بواد غيرِ ذي زرع امتثالاً لأمر أبيه المتلقَى من الله تعالى، وتقدمت ترجمة إسماعيل في سورة البقرة.وأما إدريس فهو اسم (أُخْنُوخ) على أرجح الأقوال. وقد ذكر أُخنوخ في التوراة في سفر التكوين جَدّاً لنوح. وتقدمت ترجمته في سورة مريم ووصف هنالك بأنه صدّيق نبي وقد وصفه الله تعالى هنا فليعدَّ في صف الصابرين. والظاهر أن صبره كان على تتبع الحكمة والعلوم وما لقي في رحلاته من المتاعب. وقد عُدت من صبره قصص، منها أنه كان يترك الطعام والنوم مدة طويلة لتصفو نفسه للاهتداء إلى الحكمة والعلم.
وأما ذو الكِفْل فهو نبيء اختُلف في تعيينه، فقيل هو إلياس المسمّى في كتب اليهود (إيليا).
وقيل: هو خليفَة اليَسع في نبوءة بني إسرائيل. والظاهر أنه (عُوبديا) الذي له كتاب من كتب أنبياء اليهود وهو الكتاب الرابع من الكتب الاثني عشر وتعرف بكتب الأنبياء الصغار.
والكفْل ــــ بكسر الكاف وسكون الفاء ــــ، أصله: النصيب من شيء، مشتق من كَفلَ إذا تعهد. لقب بهذا لأنه تعهد بأمر بني إسرائيل لليسع. وذلك أن اليسع لما كبُر أراد أن يستخلف خليفة على بني إسرائيل فقال: من يتكفل لي بثلاث أستخلفه: أن يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب. فلم يتكفل له بذلك إلا شاب اسمه (عُوبديا)، وأنه ثبت على ما تكفل به فكان لذلك من أفضل الصابرين. وقد عُد عوبديا من أنبياء بني إسرائيل على إجمال في خبره (انظر سفر الملوك الأول الإصحاح 18. ورؤيا عوبديا صفحة 891 من الكتاب المقدس). وروى العبري عن أبي موسى الأشعري ومجاهد أن ذا الكفل لم يكن نبياً. وتقدمت ترجمة إلياس واليسع في سورة الأنعام.
وجملة { إنهم من الصالحين } تعليل لإدخالهم في الرحمة، وتذييل للكلام يفيد أن تلك سنة الله مع جميع الصالحين.