خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
٩٨
لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ
٩٩
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ
١٠٠
-الأنبياء

التحرير والتنوير

جملة { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } جواب عن قولهم { { يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا } [الأنبياء: 97] إلى آخره. فهي مقول قول محذوف على طريقة المحاورات. فالتقدير: يقال لهم: إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَب جهنّم.

وهو ارتقاء في ثبورهم فهم قالوا: { { يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا } [الأنبياء: 97] فأخبروا بأن آلهتهم وهم أعزّ عليهم من أنفسهم وأبعد في أنظارهم عن أن يلحقهم سوء صائرون إلى مصيرهم من الخزي والهوان، ولذلك أكد الخبر بحرف التأكيد لأنهم كانوا بحيث ينكرون ذلك.

و (ما) موصولة وأكثر استعمالها فيما يكون فيه صاحب الصلة غير عاقل. وأطلقت هنا على معبوداتهم من الأصنام والجنّ والشياطين تغليباً، على أن (ما) تستعمل فيما هو أعمّ من العاقل وغيره استعمالاً كثيراً في كلام العرب.

وكانت أصنامهم ومعبوداتهم حاضرة في ذلك المشهد كما دلّت عليه الإشارة { لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها }.

والحصَب: اسم بمعنى المحصوب به، أي المرمي به. ومنه سُميت الحصباء لأنها حجارة يرمى بها، أي يُرمَوْن في جهنم، كما قال تعالى: { { وقودها الناس والحجارة } [البقرة: 24] أي الكفار وأصنامهم.

وجملة { أنتم لها واردون } بيان لجملة { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم }. والمقصود منه: تقريب الحصْب بهم في جهنم لِما يدلّ عليه قوله { واردون }من الاتصاف بورود النار في الحال كما هو شأن الخبر باسم الفاعل فإنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال.

وقد زيد في نكايتهم بإظهار خطئهم في عبادتهم تلك الأصنام بأن أشهدوا إيرادها النار وقيل لهم: { لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها }.

وذُيل ذلك بقوله تعالى: { وكل فيها خالدون } أي هم وأصنامهم.

والزفير: النفَس يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغمّ. وهو هنا من أحوال المشركين دون الأصنام. وقرينة معاد الضمائر واضحة.

وعطف جملة { وهم فيها لا يسمعون } اقتضاه قوله { لهم فيها زفير } لأن شأن الزفير أن يُسمع فأخبر الله بأنهم من شدة العذاب يفقِدون السمع بهذه المناسبة.

فالآية واضحة السياق في المقصود منها غنية عن التلفيق.

وقد روى ابن إسحاق في «سيرته» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد الحرام فجاء النَضْر بن الحارث فجلس معهم في مجلس من رجال قريش، فتَلا رسول الله عليهم: { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } ثم قام رسول الله وأقبل عبد الله بن الزِبَعْرَى السهمي قبل أن يُسلم فحدثه الوليد بن المغيرة بما جرى في ذلك المجلس فقال عبدالله بن الزِبعْرى: أما والله لو وجدتُه لخصمته، فاسألوا محمداً أكلُّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع مَن عبدوهم؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهودُ تعبد عزيرا، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم. فحُكِي ذلك لرسول الله، فقال رسول الله: إن كلّ من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبَده، إنهم إنما يعبدون الشيطانَ الذي أمرهم بعبادتهم، فأنزل الله: { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } [الأنبياء: 101] اهــــ.

وقريب من هذا في «أسباب النزول» للواحدي، وفي «الكشاف» مع زيادات أن ابن الزبعرى لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر هذا وزاد فقال: خُصِمْتَ وربّ هذه البَنِيّة ألستَ تزعم أن الملائكة عباد مكرمَون، وأن عيسى عبد صالح، وأن عزيرا عبد صالح، وهذه بنو مُلَيْح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى يعبدون المسيح، وهذه اليهود يعبدون عزيراً، فضجّ أهل مكة (أي فرَحاً) وقالوا: إن محمداً قد خُصم. ورويت القصة في بعض كتب العربية وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن الزِبَعْرى:مَا أجهلك بلغة قومك إني قلت { وما تعبدون }، و(ما) لمَا لا يعقل ولم أقل «ومَن تعبدون».

وإن الآية حكت ما يجري يوم الحشر وليس سياقها إنذاراً للمشركين حتى يكون قوله { { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } [الأنبياء: 101] تخصيصاً لها، أو تكون القصة سبباً لنزوله.