خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ
٢٦
فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٢٧
-المؤمنون

التحرير والتنوير

استئناف بياني لأن ما حكي عن صدهم الناس عن تصديق دعوة نوح وما لفقوه من البهتان في نسبته إلى الجنون، مما يثير سؤال مَن يسأل عمَّاذا صنع نوح حين كذّبه قومه فيجاب بأنه قال: { رب انصرني } الخ.

ودعاؤه بطلب النصر يقتضي أنه عَدّ فعلَهم معه اعتداءً عليه بوصفِه رسولاً من عند ربه.

والنصر: تغليب المعتدَى عليه على المعتدي، فقد سأل نوح نصراً مجملاً كما حكي هنا، وأعلمه الله أنه لا رجاء في إيمان قومه إلاّ مَن آمن منهم كما جاء في سورة هود، فلا رجاء في أن يكون نصره برجوعهم إلى طاعته وتصديقه واتِّباع ملته، فسأل نوح حينذاك نصراً خاصاً وهو استئصال الذين لم يؤمنوا كما جاء في سورة نوح (26، 27) { { وقال نوح ربّ لا تَذَرْ على الأرض من الكافرين دَيَّاراً إنك إن تَذَرهمُ يُضِلّوا عبادك } }. فالتعقيب الذي في قوله تعالى هنا: { فأوحينا إليه } تعقيب بتقدير جمل محذوفة كما علمت، وهو إيجاز في حكاية القصة كما في قوله تعالى: { { أن أضربْ بعصاكَ البَحْرَ فانفلق } الخ في سورة الشّعراء (63).

والباء في { بما كَذّبون } سببية في موضع الحال من النصر المأخوذ من فعل الدعاء، أي نصراً كائناً بسبب تكذيبهم، فجعل حظ نفسهِ فيما اعتدوا عليه مُلغىً واهتم بحظ الرسالة عن الله لأن الاعتداء على الرسول استخفاف بمن أرسله.

وجملة { أن اصنع } جملة مفسره لِجملة { أوحينا } لأن فعل { أوحينا } فيه معنى القول دون حروفه، وتقدم نظير جملة { { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا } في سورة هود (37).

وفرع على الأمر بصنع الفلك تفصيل ما يفعله عند الحاجة إلى استعمال الفلك فوُقِّت له استعماله بوقت الاضطرار إلى إنجاء المؤمنين والحيوان.

وتقدم الكلام على معنى { فار التنور } ومعنى { { زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول } في سورة هود (40).

والزوج: اسم لكل شيء له شيء آخر متصل به بحيث يجعله شَفعا في حالة مَّا. وتقدم في سورة هود.

وإنما عبر هنالِك بقوله: { { قلنا احمل فيها } [هود: 40] وهنَا بقوله: { فاسلُك فيها } لأن آية سورة هود حكت ما خاطبه الله به عند حدوث الطوفان وذلك وقت ضيق فأُمرّ بأن يحمل في السفينة من أراد الله إبقاءهم، فأسند الحمل إلى نوح تمثيلاً للإسراع بإركاب ما عُيِّن له في السفينة حتَّى كأنّ حاله في إدخاله إيَّاهم حالُ من يحمل شيئاً ليضعه في موضع، وآية هذه السورة حكت ما خاطبه الله به من قبل حدوث الطوفان إنباء بما يفعله عند حدوث الطوفان فأمَره بأنه حينئذ يدخل في السفينة من عَيَّن الله إدخالهم، مع ما في ذلك من التفنن في حكاية القصة.

ومعنى { اسلك } أدخِل، وفعل (سلك) يكون قاصراً بمعنى دخل ومتعدياً بمعنى أدخل ومنه قوله تعالى: { { ما سَلَكَكُم في سَقَر } [المدثر: 42]. وقول الأعشى:

كما سلَك السَّكِّيَّ في الباب فَيْتَقُ

وتقدم الكلام على مثل قوله: { { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } في سورة هود (37).

وقرأ الجمهور { من كل زوجين } بإضافة { كل } إلى { زوجين }. وقرأه حفص بالتنوين { كلَ } على أن يكون { زوجين } مفعولَ { فاسلك }، وتنوين { كل } تنوين عوض يُشعرُ بمحذوف أضيف إليه { كل }. وتقديره: من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة.