خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ
٣٠
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٣١
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
٣٢
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ
٣٣
-الشعراء

التحرير والتنوير

لما رأى موسى من مكابرة فرعون عن الاعتراف بدلالة النظر مَا لا مطمع معه إلى الاسترسال في الاستدلال لأنه متعامٍ عن الحق عدل موسى إلى إظهار آية من خوارق العادة دلالة على صدقه، وعرض عليه ذلك قبل وقوعه ليسد عليه منافذ ادعاء عدم الرضى بها.

واستفهمه استفهاماً مشوباً بإنكار واستغراب على تقدير عدم اجتزاء فرعون بالشيء المُبين، وأنه ساجنُه لا محالة إن لم يعترف بإلهية فرعون، قطعاً لمعذرته من قبل الوقوع. وهذا التقدير دلت عليه { لو } الوصلية التي هي لفرض حالة خاصة. فالواو في قوله: { أولو جئتك } واو الحال، والمستفهم عنه بالهمزة محذوف دل عليه أن الكلام جواب قول فرعون { لأجعلنك من المسجونين } [الشعراء: 29] والتقدير: أتجعلني من المسجونين والحال لو جئتك بشيء مبين، إذ القصد الاستفهام عن الحالة التي تضمنها شرط { لو } بأنها أولى الحالات بأن لا يثبت معها الغرض المستفهم عنه على فرض وقوعها وهو غرض الاستمرار على التكذيب، وهو استفهام حقيقي.

وليست الواو مؤخرة عن همزة الاستفهام لأن لحرف الاستفهام الصدارة بل هي لعطف الاستفهام.

والعامل في الحال وصاحِب الحال مقدّران دل عليهما قوله: { { لأجعلنَّك } [الشعراء: 29]، أي أتجعلني من المسجونين.

ووصفُ «شيء» بــــ{ مبين } اسم فاعل من أبان المتعدي، أي مُظهرٍ أني رسول من الله.

وأعرض فرعون عن التصريح بالتزام الاعتراف بما سيجىء به موسى فجاء بكلام محتمل إذ قال { فأت به إن كنت من الصادقين }. وفي قوله: { إن كنت من الصادقين } إيماء إلى أن في كلام فرعون ما يقتضي أن فرض صدق موسى فرض ضعيف كما هو الغالب في شرط { إن } مع إيهام أنه جاء بشيء مبين يعتبر صادقاً فيما دعا إليه، فبقي تحقيق أن ما سيجيء به موسى مبين أو غير مبين. وهذا قد استبقاه كلام فرعون إلى ما بعد الوقوع والنزول ليتأتى إنكاره إن احتاج إليه.

والثعبان: الحية الضخمة الطويلة.

ووصف { ثعبان } بأنه { مبين } الذي هو اسم فاعل من أبان القاصر الذي بمعنى بَان بمعنى ظهر، فــــ{ مبين } دال على شدة الظهور من أجل أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أي ثعبان ظاهر أنه ثعبان لا لبس فيه ولا تخييل.

وبالاختلاف بين { مُبينٍ } الأول و{ مُبينٌ } الثاني اختلفت الفاصلتان معنى فكانتا من قبيل الجِناس ولم تكونا مما يسمى مثله إيطاءً.

والإلقاء: الرمي من اليد إلى الأرض، وتقدم في سورة الأعراف.

والنزع: سلّ شيء مما يحيط به، ومنه نزع اللباس، ونزع الدلو من البئر. ونزع اليد: إخراجها من القميص، فلذلك استغنى عن ذكر المنزوع منه لظهوره، أي أخرج يده من جيب قميصه.

ودلت (إذا) المفاجِئة على سرعة انقلاب لون يده بياضاً.

واللام في قوله: { للناظرين }. يجوز أن تكون اللامَ التي يسميها ابن مالك وابن هشام لام التعدية، أي اتصال متعلقها بمجرورها. والأظهر أن تكون اللام بمعنى (عند) ويكون الجار والمجرور حالاً. وقد مضى بيان ذلك عند قوله تعالى في سورة الأعراف (108) { ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } .

ومعنى: للناظرين أن بياضها مما يقصده الناظرون لأعجوبته، وكانَ لون جلد موسى السمرة. والتعريف في { للناظرين } للاستغراق العرفي، أي لجميع الناظرين في ذلك المجلس. وهذا يفيد أن بياضها كان واضحاً بيّناً مخالفاً لون جِلده بصورة بعيدة عن لون البرص.