خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
٢
هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ
٣
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
-لقمان

التحرير والتنوير

إذا كانت هذه السورة نزلت بسبب سؤال قريش عن لقمان وابنه فهذه الآيات إلى قوله { ولقد ءاتينا لقمان الحكمة } [لقمان: 12] بمنزلة مقدمة لبيان أن مرمى القرآن من قصّ القصة ما فيها من علم وحكمة وهدى وأنها مسوقة للمؤمنين لا للذين سألوا عنها فكان سؤالهم نفعاً للمؤمنين.

والإشارة بــــ { تِلْكَ } إلى ما سيذكر في هذه السورة، فالمشار إليه مقدر في الذهن مترقب الذكر على ما تقدم في قوله { { ذٰلِكَ الكِتَاب } في أول البقرة (2) وفي أول سورة الشعراء (2) والنمل (1) والقصص (2).

{ وآيات الكتاب } خبر عن اسم الإشارة. وفي الإشارة تنبيه على تعظيم قدر تلك الآيات بما دل عليه اسم الإشارة من البعد المستعمل في رفعة القدر، وبما دلت عليه إضافة الآيات إلى الكتاب الموصوف بأنه الحكيم وأنه هدى ورحمة وسبب فلاح.

و{ الحكيم }: وصف للكتاب بمعنى ذي الحكمة، أي لاشتماله على الحكمة. فوصف { الكِتَاب } بــــ { الحَكِيم } كوصف الرجل بالحكيم، ولذلك قيل: إن الحكيم استعارة مكنية، أو بعبارة أرشق تشبيه بليغ بالرجل الحكيم. ويجوز أن يكون الحكيم بمعنى المُحْكَم بصيغة اسم المفعول وصفاً على غير قياس كقولهم: عَسل عقيد، لأنه أُحكم وأتقن فليس فيه فضول ولا مالا يفيد كمالاً نفسانياً. وفي وصف { الكِتَاب }بهذا الوصف براعة استهلال للغرض من ذكر حكمة لقمان. وتقدم وصف الكتاب بــــ { الحَكِيم } في أول سورة يونس (1).

وانتصب { هدى ورحمة } على الحال من { الكِتَاب } وهي قراءة الجمهور. وإذ كان { الكِتَاب }مضافاً إليه فمسوغ مجيء الحال من المضاف إليه أن { الكِتَاب } أضيف إليه ما هو اسم جزئه، أو على أنه حال من آيات. والعامل في الحال ما في اسم الإشارة من معنى الفعل. وقرأه حمزة وحده برفع { رحمةٌ } على جعل { هدىً } خبراً ثانياً عن اسم الإشارة.

ومعنى المحسنين: الفاعلون للحسنات، وأعلاها الإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولذلك خصت هذه الثلاث بالذكر بعد إطلاق المحسنين لأنها أفضل الحسنات، وإن كان المحسنون يأتون بها وبغيرها.

وزيادة وصف الكتاب بــــ { رحمة } بعد { هدى } لأنه لما كان المقصد من هذه السورة قصة لقمان نبَّه على أن ذكر القصة رحمة لما تتضمنه من الآداب والحكمة لأن في ذلك زيادة على الهدى أنه تخلق بالحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، والخير الكثير: رحمة من الله تعالى.

و{ الزكاة } هنا الصدقة وكانت موكولة إلى همم المسلمين غير مضبوطة بوقت ولا بمقدار. وتقدم الكلام على { { وبالآخرة هم يوقنون } [البقرة: 4] إلى { هم المفلحون } في أول سورة البقرة (5).