خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٢٠
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ
٢١
-لقمان

التحرير والتنوير

{ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـٰهِرَةً وَبَاطِنَةً }

رجوع إلى تعداد دلائل الوحدانية وما صحب ذلك من منة على الخلق، فالكلام استئناف ابتدائي عن الكلام السابق ورجوع إلى ما سلف في أول السورة في قوله تعالى: { { خَلَق السَّماوات بِغَير عمد } [لقمان: 10] فإنه بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض والحيوان والأمطار عاد هنا الاستدلال والامتنان بأن سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض. وقد مضى الكلام على هذا التسخير في تفسير قوله تعالى { { الله الذي خلق السماوات والأرض } الآيات من سورة إبراهيم (32)، وكذلك في سورة النحل (3).

ومعنى { سخر لكم } لأجلكم لأن من جملة ذلك التسخير ما هو منافع لنا من الأمطار والرياح ونور الشمس والقمر ومواقيت البروج والمنازل والاتجاه بها. والخطاب في { ألم تروا } يجوز أن يكون لجميع الناس مؤمنهم ومشركهم لأنه امتنان، ويجوز أن يكون لخصوص المشركين باعتبار أنه استدلال.

والاستفهام في { ألم تروا } تقرير أو إنكار لِعدم الرؤية بتنزيلهم منزلة من لم يروا آثار ذلك التسخير لعدم انتفاعهم بها في إثبات الوحدانية. والرؤية بصرية. ورؤية التسخير رؤية آثاره ودلائله. ويجوز أن تكون الرؤية علمية كذلك، والخطاب للمشركين كما في قوله { خلق السماوات بغير عَمد ترونها }.

وإسباغ النِعم: إكثارها. وأصل الإسباغ: جعل ما يلبس سابغاً، أي وافياً في الستر. ومنه قولهم: درع سابغة. ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سَرْد أو شُقَق أثواب، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فقيل: سوابغ النعم.

والنعمة: المنفعة التي يقصد بها فاعلُها الإحسان إلى غيره.

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر { نِعَمهُ } بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النِعم. وقرأ الباقون { نِعْمَةً } بصيغة المفرد، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع.

والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم. وانتصب { ظاهرة وباطنة } على الحال على قراءة نافع ومن معه، وعلى الصفة على قراءة البقية.

والظاهرة: الواضحة. والباطنة: الخفية وما لا يعلم إلا بدليل أو لا يعلم أصلاً.

وأصل الباطنة المستقرة في باطن الشيء أي داخله، قال تعالى: { باطنه فيه الرحمة } [الحديد: 13] فكم في بدن الإنسان وأحواله من نِعم يعلمها الناس أو لا يعلمها بعضُهم، أو لا يعلمها إلا العلماء، أو لا يعلمها أهل عصر ثم تنكشف لمن بعدهم، وكلا النوعين أصناف دينية ودنيوية [من آية: 20 إلى آية: 21].

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

الواو في قوله { ومن الناس من يجادل } واو الحال. والمعنى: قد رأيتم أن الله سخّر لكم ما في السماوات وأنعم عليكم نعماً ضافية في حال أن بعضكم يجادل في وحدانية الله ويتعامى عن دلائل وحدانيته. وجملة الحال هنا خبر مستعمل في التعجيب من حال هذا الفريق. ولك أن تجعل الواو اعتراضيَّة والجملة معترضة بين جملة { ألم تروا أن الله سخر لكم }وبين جملة { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض } [لقمان: 25].

وقوله { ومِنَ النَّاس } من الإظهار في مقام الإضمار كأنه قيل: ومنكم، و{ مِن }تبعيضية. والمراد بهذا الفريق: هم المتصدون لمحاجة النبي صلى الله عليه وسلم والتمويه على قومهم مثل النضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وعبد الله بن الزِّبْعَرى.

وشمل قوله { بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } مراتبَ اكتساب العلم وهي إما: الاجتهاد والاكتساب، أو التلقي من العالم، أو مطالعة الكتب الصائبة. وتقدم تفسير نظير هذه الآية في سورة الحج (8).

وجملة { وإذا قيل لهم } الخ عطف على صلة { مَن، } أي: مَن حالهم هذا وذاك، وتقدم نظير هذه الجملة في سورة البقرة (170).

والضمير المنصوب في قوله { يدعوهم } عائد إلى الآباء، أي أيتبعون آباءهم ولو كان الشيطان يَدعو الآباء إلى العذاب فهم يتبعونهم إلى العذاب ولا يهتدون. و{ لو } وصلية، والواو معها للحال.

والاستفهام تعجيبي من فظاعة ضلالهم وعماهم بحيث يتبعون من يدعوهم إلى النار، وهذا ذم لهم. وهو وزان قوله في آية البقرة (170): { { أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً } }. والدعاء إلى عذاب السعير: الدعاء إلى أسبابه. والسعير تقدم في قوله تعالى: { { كلما خَبَتْ زِدْنَاهم سعيراً } في سورة الإسراء (97).