خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٣٢
-يس

التحرير والتنوير

أرى أن عطفه على جملة { { أنهم إليهم لا يرجعون } [يس: 31] واقعٌ موقع الاحتراس من توهم المخاطبين بالقرآن أن قوله: { أنهم إليهم لا يرجعون } مؤيد اعتقادهم انتفاء البعث.

و{ إِنْ } يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والأفصح إهمالها عن العمل فيما بعدها، والأكثر أن يقترن خبر الاسم بعدها بلام تسمّى اللام الفارقة لأنها تفرق بين { إِنْ } المخففة من الثقيلة وبين { إِنْ } النافية لئلا يلتبس الخبر المؤكد بالخبر المنفي فيناقض مقصد المتكلم، وعلى هذا الوجه يكون قوله: { لَما } مخفف الميم كما قرأ الجمهور { لَمَا جَمِيعٌ } بتخفيف ميم { لَمَّا }، فهي مركبة من اللام الفارقة و(ما) الزائدة للتأكيد، ويجوز أن تكون { إنْ } نافية بمعنى (لا) ويكون { لَمَّا } بتشديد الميم على أنها حرف استثناء بمعنى (إلا) تقع بعد النفي ونحوه كالقسم. وكذلك قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر. والتقدير: وما كلهم إلا مُحْضَرُون لدينا.

و{ كُلٌّ } مبتدأ وتنوينه تنوين العوض عما أضيف إليه (كل)، أي كل القرون، أو كل المذكورين من القرون والمخاطبين.

و{ جَمِيعٌ } اسم على وزن فعيل، أي مجموع، وهو ضد المتفرق. يقال: جمع أشياءَ كَذا، إذا جعلها متقاربة متصلة بعد أن كانت مشتتة ومتباعدة.

والمعنى: أن كل القرون محضرون لدينا مجتمعين، أي ليس إحضارهم في أوقات مختلفة ولا في أمكنة متعددة؛ فكلمة { كل } أفادت أن الإِحضار محيط بهم بحيث لا ينفلت فريق منهم، وكلمة { جميع } أفادت أنهم محضرون مجتمعين فليست إحدى الكلمتين بمغنية عن ذكر الأخرى، ألا ترى أنه لو قيل: وإن أكثرهم لما جميع لدينا محضرون، لما كان تناف بين «أكثرهم» وبين «جميعهم» أي أكثرهم يحضر مجتمعين؛ فارتفع { جَمِيعٌ } على الخبرية في قراءات تخفيف { لمَا } وعلى الاستثناء على قراءة تشديد { لمَّا }. و { مُحْضَرُونَ } نعت لــــ { جَمِيعٌ } على القراءتين. وروعي في النعت معنى المنعوت فألحقت به علامة الجماعة، كقول لبيد:

عَرِيتْ وكان بها الجَميع فأبكروامنها وغُودر نُؤيها وثُمامها

والإِحضار: الإِحضار للحساب والجزاء والعقاب.