خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
٤
أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥

التحرير والتنوير

{ وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ }.

عطف على جملة { الذين كفروا في عزَّةٍ وشقاقٍ } [ ص:2] فهو من الكلام الواقع الإِضراب للانتقال إليه كما وقع في قوله تعالى: { ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } [ق: 1 - 2].

والمعنى: أنه استقرّ في نفوسهم استحالة بعثة رسول منهم فذلك سبب آخر لانصرافهم عن التذكر بالقرآن.

والعجب حقيقته: انفعال في النفس ينشأ عن علم بأمر غير مترقب وقوعه عند النفس، ويطلق على إنكار شيء نادر على سبيل المجاز بعلاقة اللزوم كما في قوله تعالى: { قالوا أتعجبين من أمر اللَّه } في سورة [هود: 73] فإن محل العتاب هو كون امرأة إبراهيم أحالت أن تلد، وهي عجوز وكذلك إطلاقه هنا. والمعنى: وأنكروا وأحالوا أن جاءهم منذر منهم.

والمنذر: الرسول، أي منذر لهم بعذاب على أفعال هم متلبسون بها.

وعبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف المنذر: ووُصف بأنه منهم للإِشارة إلى سوء نظرهم من عجبهم لأن شأن النذير أن يكون من القوم ممن ينصح لهم فكونه منهم أولى من أن يكون من غيرهم.

ثم إن كان التبعيض المستفاد من حرف (من) مراداً به أنه بعض العرب أو بعض قريش فأمر تجهيلهم في عجبهم من هذا النذير بيّن؛ وإن كان مراداً به أنه بعض البشر وهو الظاهر فتجهيلهم لأن من كان من جنسهم أجدرُ بأن ينصح لهم من رسول من جنس آخر كالملائكة، وهذه جدارة عرفية. وهذا العجب تكرر تصريحهم به غير مرة فهو مستقر في قرارة نفوسهم، وهو الأصل الداعي لهم إلى الإِعراض عن تصديقه فلذلك ابتُدئت به حكاية أقوالهم التي قالوها في مجلس شيخ الأباطح كما تقدم في ذكر سبب النزول.

{ وَقَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ }.

بعد أن كُشف ما انطوت عليه نفوسهم من العزة والشقاق وإحالة بعثة رسول للبشر من جنسهم، حوسبوا بما صرحوا به من القول في مجلسهم ذلك، إشارةً بهذا الترتيب إلى أن مقالتهم هذه نتيجة لعقيدتهم تلك.

وفي قوله: { الكافِرونَ } وضْعُ الظاهر موقع المضمر وكان مقتضى الظاهر أن يقال: «وقالوا هذا ساحر» الخ، وهذا لقصد وصْفهم بأنهم كافرون بربهم مقابَلَة لما وَصَمُوا به النبي صلى الله عليه وسلم فوُصفوا بما هو شتم لهم يجمع ضروباً من الشتم تأصيلاً وتفريعاً وهو الكفر الذي هو جماع فساد التفكير وفاسد الأعمال.

ولفظ { هٰذَا } أشاروا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم استعملوا اسم الإِشارة لتحقير مثله في قولهم: { أهذا الذي يذكر آلهتكم } [الأنبياء:36] وإنما قالوا مقالتهم هذه حين انصرافهم من مجلس أبي طالب المذكورِ في سبب نزول السورة جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم لقرب عهدهم بمحضره كأنه حاضر حين الإِشارة إليه. وجَعلوا حالهُ سحراً وكذباً لأنهم لما لم تقبَل عقولهم ما كلمهم به زعموا ما لا يفهمون منه (مثل كون الإِلٰه واحداً أو كونه يعيد الموتى أحياء) سحراً إذ كانوا يألفون من السحر أقوالاً غير مفهومة كما تقدم عند قوله تعالى: { يعلمون الناس السحر } في سورة [البقرة: 102]. وزعموا ما يفهمونه ويحيلونه مثل ادعاء الرسالة عن الله كذباً. وبينوا ذلك بجملتين: إحداهما { أجعل الآلهة إلٰهاً واحداً }، والثانية جملة { أأُنزلَ عليه الذكر من بيننا } [ص:8].

فجملة { أجَعَلَ الآلهة إلهاً واحداً } بيان لجملة { هٰذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ }، أي حيث عدوه مباهتاً لهم بقلب الحقائق والأخبار بخلاف الواقع.

والهمزة للاستفهام الإِنكاري التعجيبي ولذلك أتبعوه بما هو كالعلة لقولهم: { ساحر } وهو { إنَّ هذا لشيء عجاب } أي يتعجب منه كما يتعجب من شعوذة الساحر.

و { عُجاب }: "وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيراً" لأن وزن فُعال بضم أوله يدل على تمكن الوصف مثل: طُوال، بمعنى المفرط في الطول، وكُرام بمعنى الكثير الكرم، فهو أبلغ من كريم، وقد ابتدأوا الإِنكار بأول أصل من أصول كفرهم فإن أصول كفرهم ثلاثة: الإِشراكُ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكار البعث، والجزاءِ في الآخرة.