اسم الإِشارة هنا جار على غالب مواقعه وهو نظير قوله:
{ هذا ما توعدون ليوم الحساب } [ص: 53] والقول فيه مثله. وإشارة القريب لتقريب الإِنذار والمشار إليه ما تضمنه قوله: { جهنَّم يصلونها } [ص: 56] من الصلي ومن معنى العذاب، أو الإِشارة إلى شرّ من قوله: { لَشَرَّ مآبٍ } [ص: 55].و{ حميم } خبر عن اسم الإِشارة. ومعنى الجملة في معنى بدل الاشتمال لأن شر المآب أو العذاب مشتمل على الحميم والغساق وغيرِه من شكله، والمعنى: أن ذلك لهم لقوله:
{ وإنّ للطاغِينَ لشرَّ مَآبٍ } [ص: 55] فما فُصل به شر المآب وعذاب جهنم فهو في المعنى معمول للام. والحميم: الماء الشديد الحرارة.والغَساق: قرأه الجمهور بتخفيف السين. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بتشديدها. قيل هما لغتان وقيل: غَسَّاق بالتشديد مبالغة في غَاسق بمعنى سائل، فهو على هذا وصف لموصوف محذوف وليس اسماً لأن الأسماء التي على زنة فَعَّال قليلة في كلامهم.
والغساق: سائل يسيل في جهنم، يقال: غَسَق الجُرح، إذا سال منه ماء أصفر. وأحسب أن هذا الاسم بهذا الوزن أطلقه القرآن على سائل كريه يُسْقَوْنه كقوله:
{ بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب } [الكهف: 29]. وأحسب أنه لم تكن هذه الزنة من هذه المادة معروفة عند العرب، وبذلك يومىء كلام الراغب. وهذا سبب اختلاف المفسرين في المراد منه. والأظهر: أنه صيغ له هذا الوزن ليكون اسماً لشيء يشبه ما يغسِقَ به الجرح، ولذلك سمّي بالمهل والصديد في آيات أخرى.وجملة { فَلْيَذُوقُوهُ } معترضة بين اسم الإِشارة والخبر عنه، وهذا من الاعتراض المقترن بالفاء دون الواو، والفاء فيه كالفاء في قوله:
{ فبئس المِهادُ } [ص: 56] وقد تقدمت آنفاً.وموقع الجملة كموقع قوله:
{ فامنن أو أمسك } [ ص: 39] كما تقدم آنفاً.وقوله: { وءَاخَرُ } صفة لموصوف محذوف دلت عليه الإِشارة بقوله: { هذا } وضمير { فليذوقوه } وصفُ آخر يدل على مغاير. وقوله: { مِن شَكلِهِ } يدل على أنه مغاير له بالذات وموافق في النوع، فحصل من ذلك أنه عذاب آخر أو مذوق آخر.
والشَّكل بفتح الشين: المثل، أي المماثل في النوع، أي وعذاب آخر غير ذلك الذي ذاقوه من الحميم والغساق هو مثل ذلك المشار إليه أو مثل ذلك الذوق في التعذيب والألم. وأفرد ضمير { شَكلهِ } مع أن معاده { حَميمٌ وغسَّاقٌ } نظراً إلى إفراد اسم الإِشارة، أو إلى إفراد (مذوق) المأخوذ من (يذوقوه)، فقوله: { مِن شكلهِ } صفة لــــ { آخر }.
والأزواج: جمع زوج بمعنى النوع والجنس، وقد تقدم عند قوله:
{ ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } في سورة [الرعد: 3].والمعنى: وعذاب آخر هو أزواج أصناف كثيرة. ولما كان اسماً شائعاً في كل مغاير صحّ وصفه بــــ { أزْوٰجٌ } بصيغة الجمع.
وقرأ الجمهور: { وءَاخَرُ } بصيغة الإِفراد. وقرأه أبو عمرو ويعقوب { وأُخَر } بضم الهمزة جمع أخرى على اعتبار تأنيث الموصوف، أي وأزواج أخر من شكل ذلك العذاب.