خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
-الزمر

التحرير والتنوير

بعد أن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بخطاب المسلمين بقوله: { قُل يا عِبادِ الذين آمنوا اتَّقُوا } [ الزمر: 10] أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يقول قولاً يتعين أنه مَقول لغير المسلمين.

نقل الفخر عن مقاتل: أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما يحملك على هذا الدين الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللاّت والعُزّى، فأنزل الله: { قل إني أُمرتُ أن أعْبُدَ الله مُخلصاً له الدِّينَ }.

وحقاً فإن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إذا حمل على صريحه إنما يناسب توجيهه إلى المشركين الذي يبْتغون صرفه عن ذلك. ويجوز أن يكون موجهاً إلى المسلمين الذين أذن الله لهم بالهجرة إلى الحبشة على أنه توجيه لبقائه بمكة لا يهاجر معهم لأن الإِذن لهم بالهجرة للأمن على دينهم من الفتن، فلعلهم ترقبوا أن يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم معهم إلى الحبشة فآذنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله أمره أن يعبد الله مخلصاً له الدين، أي أن يوحده في مكة فتكون الآية ناظرة إلى قوله تعالى: { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين } [الحجر: 94 ــــ 95]، أي أن الله أمره بأن يقيم على التبليغ بمكة فإنه لو هاجر إلى الحبشة لانقطعت الدعوة وإنما كانت هجرتهم إلى الحبشة رخصة لهم إذ ضعفوا عن دفاع المشركين عن دينهم ولم يرخَّص ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء قريب من هذه الآية بعد ذكر أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومماته لله، أي فلا يَفرق من الموت في سبيل الدين وذلك قوله تعالى في سورة [الأنعام: 162 - 163]: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } .

فكان قوله: { لأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسلمين } علة لــــ { أعبد الله مخلصاً له الدين }، فالتقدير: وأمِرت بذلك لأن أكون أول المسلمين، فمتعلِّق { أُمِرْتُ } محذوف لدلالة قوله: { أن أعبد الله مخلصاً له الدين } عليه. فــــ { أول } هنا مستعمل في مجازه فقط إذ ليس المقصود من الأولية مجرد السبق في الزمان فإن ذلك حصل فلا جدوى في الإِخبار به، وإنما المقصود أنه مأمور بأن يكون أقوى المسلمين إسلاماً بحيث أن ما يقوم به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الإِسلام أعظم مما يقوم به كل مسلم كما قال: "إني لأتقاكم لله وأعلمكم به".

وعطف { وأمرت } الثاني على { أُمِرْتُ } الأول للتنويه بهذا الأمر الثاني ولأنه غَاير الأمر الأول بضميمة قيد التعليل فصار ذكر الأمر الأول لبيان المأمور، وذكرُ الأمر الثاني لبيان المأمور لأجله، ليشير إلى أنه أمر بأمرين عظيمين: أحدهما يشاركه فيه غيره وهو أن يعبد الله مخلصاً له الدين، والثاني يختص به وهو أن يعبده كذلك ليكون بعبادته أولَ المسلمين، أي أمره الله بأن يبلُغ الغاية القصوى في عبادة الله مخلصاً له الدين، فجعل وجوده متمحضاً للإِخلاص على أي حال كان كما قال في الآية الأخرى: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [الأنعام: 162، 163].

واعلم أنه لما كان الإِسلام هو دين الأنبياء في خاصتهم كما تقدم عند قوله تعالى { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } في سورة [البقرة: 132] ونظائرها كثيرة، كانت في هذه الآية دلالةٌ على أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل لشمول لفظ المسلمين للرسل السابقين.