خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً
٥٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً
٥٧
-النساء

التحرير والتنوير

تهديد ووعيد لجميع الكافرين، فهي أعمّ ممّا قبلها، فلها حكم التذييل، ولذلك فُصلت. والإصْلاء: مصدر أصلاهُ، ويقال: صلاهُ صَلْيا، ومعناه شيُّ اللحم على النار، وقد تقدّم الكلام على (صلى) عند قوله تعالى: { وسيَصْلون سعيرا } [النساء: 10] وقوله: { فسوف نصليه ناراً } في هذه السورة

[النساء: 30]، وتقدّم أيضاً الكلام على (سوف) في الآية الأخيرة. و{ نصليهم } ــــ بضم النون ــــ من الإصلاء. و{ نضجت } بلغت نهاية الشيّ، يقال: نضج الشِّواء إذا بلغ حدّ الشيّ، ويقال: نضج الطبيخ إذا بلغ حدّ الطبخ. والمعنى: كلّما احترقت جلودهم، فلم يبق فيها حياة وإحساس. بدّلناهم، أي عوّضناهم جلوداً غيرها، والتبديل يقتضي المغايرة كما تقدّم في قوله في سورة البقرة: { أتستبدلون الذي هو أدنى } [البقرة: 61]. فقوله: { غيرها } تأكيد لما دلّ عليه فعل التبديل. وانتصب { ناراً } على أنَّه مفعول ثان لأنّه من باب أعطَى.

وقوله: { ليذوقوا العذاب } تعليل لقوله: { بدّلناهم } لأنّ الجِلد هو الذي يوصل إحساس العذاب إلى النفس بحسب عادة خلق الله تعالى، فلو لم يبدّل الجلد بعد احتراقه لما وصل عذاب النار إلى النفس. وتبديل الجلد مع بقاء نفس صاحبه لا ينافي العدل لأنّ الجِلد وسيلة إبلاغ العذاب وليس هو المقصود بالتعذيب، ولأنّه ناشىء عن الجلد الأوّل كما أنّ إعادة الأجسام في الحشر بعد اضمحلالها لا يوجب أن تكون أناساً غير الذين استحقّوا الثواب والعقاب لأنّها لمّا أُودعت النفوسَ التي اكتسبت الخيرَ والشرّ فقد صارت هي هي ولا سيما إذا كانت إعادتها عن إنبات من أعجاب الأذناب، حسبما ورد به الأثر، لأنّ الناشىء عن الشيء هو منه كالنخلة من النواة.

وقوله: { إنّ الله كان عزيزاً حكيماً } واقع موقع التعليل لِما قبله، فالعزّة يتأتى بها تمام القدرة في عقوبة المجترىء على الله، والحكمة يتأتّى بها تلك الكيفية في إصلائهم النار.

وقوله: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } ذكر هنا للمقابلة وزيادة الغيظ للكافرين. واقتصر من نعيم الآخرة على لذّة الجنّات والأزواج الصالحات، لأنّهما أحبّ اللذّات المتعارفة للسامعين، فالزوجة الصالحة آنس شيء للإنسان، والجنّات مَحّل النعيم وحُسن المنظر.

وقوله: { وندخلهم ظِلاّ ظليلا } هو من تمام محاسن الجنّات، لأنّ الظلّ إنّما يكون مع الشمس، وذلك جمال الجنّات ولذّة التنعّم برؤية النور مع انتفاء حرّه. ووصف بالظليل وصفاً مشتقّاً من اسم الموصوف للدلالة على بلوغه الغاية في جنسه، فقد يأتون بمثل هذا الوصف بوزن فعيل: كما هنا، وقولهم: داء دويُّ، ويأتون به بوزن أفْعل: كقولهم: لَيْلٌ ألْيَل ويَوْم أيْوَم، ويأتون بوزن فَاعل: كقولهم: شِعْر شاعر، ونَصَب نَاصِب.