خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ
٨٠
وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٨١
-المائدة

التحرير والتنوير

استئناف ابتدائي ذُكر به حال طائفة من اليهود كانوا في زمن الرّسول صلى الله عليه وسلم وأظهروا الإسلام وهم معظم المنافقين وقد دلّ على ذلك قوله: { يَتَولَّوْن الّذين كفروا }، لأنّه لا يستغرب إلاّ لكونه صادراً ممّن أظهروا الإسلام فهذا انتقال لشناعة المنافقين. والرؤية في قوله { ترى } بَصريّة، والخطاب للرّسول. والمراد بــ { كثير منهم } كثير من يهود المدينة، بقرينة قوله { ترى }، وذلك أنّ كثيراً من اليهود بالمدينة أظهروا الإسلام نفاقاً، نظراً لإسلام جميع أهل المدينة من الأوس والخزرج فاستنكر اليهود أنفسهم فيها، فتظاهروا بالإسلام ليكونوا عيناً ليهود خَيبر وقُريظة والنضِير. ومعنى { يتولّون } يتّخذونهم أولياء. والمراد بالّذين كفروا مشركو مكّة ومَنْ حَول المدينة من الأعراب الذين بقُوا على الشرك. ومن هؤلاء اليهود كَعْبُ بن الأشرف رئيسُ اليهود فإنّه كان موالياً لأهل مكّة وكان يغريهم بغزو المدينة. وقد تقدّم أنّهم المراد في قوله تعالى: { ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً } [النساء: 51].

وقوله { أنْ سخط الله عليهم } (أنْ) فيه مصدريّة دخلت على الفعل الماضي وهو جائز، كما في «الكشاف» كقوله تعالى: { { ولولا أنْ ثَبَّتْنَاك } [الإسراء: 74]، والمصدر المأخوذ هو المخصوص بالذمّ. والتّقدير: لبئس ما قدمت بهم أنفسهم سُخْطُ اللّهِ عليهم، فسُخط الله مذموم. وقد أفاد هذا المخصوص أنّ الله قد غضب عليهم غضباً خاصّاً لموالاتهم الّذين كفروا، وذلك غير مصرّح به في الكلام فهذا من إيجاز الحذف. ولك أن تجعل المراد بسخط الله هو اللّعنة الّتي في قوله: { { لُعِن الّذين كفروا من بني إسرائيل } [المائدة: 78]. وكون ذلك ممّا قدّمت لهم أنفسهم معلوم من الكلام السابق.

وقوله: { ولو كانوا يؤمنون بالله والنّبي } إلخ الواو للحال من قوله: { ترى كثيراً منهم } باعتبار كون المراد بهم المتظاهرين بالإسلام بقرينة ما تقدّم، فالمعنى: ولو كانوا يؤمنون إيماناً صادقاً ما تّخذوا المشركين أولياء. والمراد بالنّبيء محمّد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه القرآن، وذلك لأنّ النّبيء نهَى المؤمنين عن موالاة المشركين، والقرآن نهى عن ذلك في غير ما آية. وقد تقدّم في قوله: { { لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } [آل عمران: 28]. وقد جعل موالاتهم للمشركين علامة على عدم إيمانهم بطريقة القياس الاستثنائي، لأنّ المشركين أعداء الرّسول فموالاتهم لهم علامة على عدم الإيمان به. وقد تقدّم ذلك في سورة آل عمران.

وقوله: { ولكنّ كثيراً منهم فاسقون } هو استثناء القياس، أي ولكنّ كثيراً من بني إسرائيل { فاسقون }. فالضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير { ترى كثيراً منهم } و{ فاسقون } كافرون، فلا عَجَب في موالاتهم المشركين لاتّحادهم في مناواة الإسلام. فالمراد بالكثير في قوله: { ولكنّ كثيراً منهم فاسقون } عين المراد من قوله { ترى كثيراً منهم يتولّون الّذين كفروا } فقد أعيدت النكرة نكرة وهي عين الأولى إذ ليس يلزم إعادتها معرفة. ألا ترى قوله تعالى: { { فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً } [الشرح: 5، 6]. وليس ضمير { منهم } عائداً إلى { كثيراً } إذ ليس المراد أنّ الكثير من الكثير فاسقون بل المراد كلّهم.