خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
٣
-الأنعام

التحرير والتنوير

عطف على قوله { { هو الذي خلقكم من طين } [الأنعام: 2] أي، خلقكم ولم يهمل مراقبتكم، فهو يعلم أحوالكم كلّها.

فالضمير مبتدأ عائد إلى اسم الجلالة من قوله { الحمد لله } وليس ضمير فصل إذ لا يقع ضمير الفصل بعد حرف العطف. وقوله: { الله } خبر عن المبتدأ. وإذ كان المبتدأ ضميراً عائداً إلى اسم الله لم يكن المقصود الإخبار بأنّ هذا الذي خلق وقضى هو الله إذ قد علم ذلك من معاد الضمائر، فتعيّن أن يكون المقصود من الإخبار عنه بأنّه الله معنى يفيده المقام، وذلك هو أن يكون كالنتيجة للأخبار الماضية ابتداء من قوله: { { الحمد لله الذي خلق } [الأنعام: 1] فنبّه على فساد اعتقاد الذين أثبتوا الإلٰهية لغير الله وحمدوا آلهتهم بأنّه خالق الأكوان وخالق الإنسان ومعيده، ثم أعْلن أنّه المنفرد بالإلٰهية في السماوات وفي الأرض؛ إذ لا خالق غيره كما تقرّر آنفاً، وإذ هو عالم السرّ والجهر، وغيرُه لا إحساس له فضلاً عن العقل فضلاً عن أن يكون عالماً. ولمّا كان اسم الجلالة معروفاً عندهم لا يلتبس بغيره صار قوله: { وهو الله } في معنى الموصوف بهذه الصفات هو صاحب هذا الاسم لا غيره.

وقوله: { في السماوات وفي الأرض } متعلّق بالكون المستفاد من جملة القصر، أو بما في { الحمد لله } [الأنعام: 1] من معنى الإنفراد بالإلٰهية، كما يقول من يذكر جواداً ثم يقول: هو حاتم في العرب، وهذا لقصد التنصيص على أنّه لا يشاركه أحد في صفاته في الكائنات كلّها.

وقوله: { يعلم سرّكم وجهركم } جملة مقرّرة لمعنى جملة { وهو الله } ولذلك فصلت، لأنّها تتنزّل منا منزلة التوكي لأنّ انفراده بالإلٰهيّة في السماوات وفي الأرض ممّا يقتضي علمه بأحوال بعض الموجودات الأرضية.

ولا يجوز تعليق { في السماوات وفي الأرض } بالفعل في قوله: { يعلم سرّكم } لأنّ سرّ النّاس وجهرهم وكسبهم حاصل في الأرض خاصّة دون السماوات، فمن قدّر ذلك فقد أخطأ خطأ خفيّاً.

وذكر السرّ لأنّ علم السرّ دليل عموم العلم، وذكر الجهر لاستيعاب نوعي الأقوال. والمراد بـ{ تكسبون } جميع الاعتقادات والأعمال من خير وشر فهو تعريض بالوعد والوعيد.

والخطاب لجميع السامعين؛ فدخل فيه الكافِرون، وهم المقصود الأول من هذا الخطاب، لأنّه تعليم وإيقاظ بالنسبة إليهم وتذكير بالنسبة إلى المؤمنين.