خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٤٧
-الأنعام

التحرير والتنوير

استئناف للتهديد والتوعّد وإعذار لهم بأنّ إعراضهم لا يرجع بالسوء إلاّ عليهم ولا يضرّ بغيرهم، كقوله: { وهم يَنْهَوْن عنه ويَنْأوْن عنه وإنْ يُهْلِكُون إلاّ أنفسهم وما يشعرون } [الأنعام: 26].

والقول في { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة } الآية كالقول في نظيريْه المتقدّمين.

وجيء في هذا وفي نظيره المتقدّم بكاف الخطاب مع ضمير الخطاب دون قوله: { قل أرأيتم إنْ أخذَ الله سمْعكم وأبْصارَكم } [الأنعام: 46] الآية لأنّ هذا ونظيره أبلغ في التوبيخ لأنّهما أظهر في الاستدلال على كون المشركين في مكنة قدرة الله، فإنّ إتيان العذاب أمكن وقوعاً من سلب الأبصار والأسماع والعقول لندرة حصول ذلك، فكان التوبيخ على إهمال الحذر من إتيان عذاب الله، أقوى من التوبيخ على الاطمئنان من أخذ أسماعهم وأبصارهم، فاجتلب كاف الخطاب المقصود منه التنبيه دون أعيان المخاطبين. والبغتة تقدّمت آنفاً.

والجهرة: الجَهْر، ضدّ الخفية، وضدّ السرّ. وقد تقدّم عنه قوله تعالى: { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } في سورة [البقرة: 55].

وقد أوقع الجهرة هنا في مقابلة البغتة وكان الظاهر أن تقابل البغتة بالنّظرة أو أن تقابل الجهرة بالخفية، إلاّ أنّ البغتة لمّا كانت وقوع الشيء من غير شعور به كان حصولها خفيّاً فحسن مقابلته بالجهرة، فالعذاب الذي يجيء بغتة هو الذي لا تسبقه علامة ولا إعلام به. والذي يجيء جهرة هو الذي تسبقه علامة مثل الكِسْف المحكي في قوله تعالى: { { فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض مُمطرنا } [الأحقاف: 24] أو يسبقه إعلام به كما في قوله تعالى: { فعَقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام } [هود: 65]. فإطلاق الجهرة على سبق ما يشعر بحصول الشيء إطلاق مجازي. وليس المراد من البغتة الحاصل ليلاً ومن الجهرة الحاصل نهاراً.

والاستفهام في قوله: { هل يُهلَك } مستعمل في الإنكار فلذلك جاء بعده الاستثناء. والمعنى لا يهلك بذلك العذاب إلاّ الكافرون.

والمراد بالقوم الظالمين المخاطبون أنفُسهم فأظهر في مقام الإضمار ليتأتّى وصفهم أنّهم ظالمون، أي مشركون، لأنَّهم ظالمون أنفسهم وظالمون الرسول والمؤمنين.

وهذا يتضمَّن وعْداً من الله تعالى بأنه منجي المؤمنين، ولذلك أذنَ رسوله بالهجرة من مكة مع المؤمنين لئلاّ يحلّ عليهم العذاب تكرمة لهم كما أكرم لُوطاً وأهله، وكما أكرم نوحاً ومن آمن معه، كما أشار إليه قوله تعالى: { وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم } [الأنفال: 33] ثم قوله: { وما لهم أن لا يعذّبهم الله } [الأنفال: 34].