خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
١٧٨
-الأعراف

التحرير والتنوير

هذه الجملة تذييل للقصة والمثل وما أعقبا به من وصف حال المشركين، فإن هذه الجملة تُحصل ذلك كله وتجري مجرى المثل، وذلك أعلى أنواع التذييل، وفيها تنويه بشأن المهتدين وتلقين للمسلمين للتوجه إلى الله تعالى بطلب الهداية منه والعصمة من مزالق الضلال، أي فالذين لم يهتدوا إلى الحق بعد أن جاءهم دلت حالهم على أن الله غضب عليهم فحرمهم التوفيق.

والهداية حقيقتها إبانة الطريق، وتطلق على مطلق الإرشاد لما فيه النفع سواء اهتدى المهْدي إلى ما هُدي إليه أم لم يهتد، قال تعالى: { { إنّا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } [الإنسان: 3] وقال: { وأما ثمودُ فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } [فصلت: 17].

ثم قد علم أن الفعل الذي يسند إلى الله تعالى إنما يراد به اتقن أنواع تلك الماهية وأدوَمها، ما لم تقم القرينة على خلاف ذلك، فقوله: { من يَهْد الله } يُعنى به من يقدرِ الله اهتداءَه، وليس المعنى من يرشده الله بالأدلة أو بواسطة الرسل، وقد استفيد ذلك من القصة المُذَيلة فإنه قال فيها: { الذي آتيناه آياتنا } [الأعراف: 175] فايتاءُ الآيات ضرب من الهداية بالمعنى الأصلي، ثم قال فيها { فانسلخ منها } [الأعراف: 175] وقال { { ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه } [الأعراف: 176] وقال: { { ولو شئنا لرفعناه بها } [الأعراف: 176] فعلمنا أن الله أرشده، ولم يقدر له الاهتداء، فالحالة التي كان عليها قبل أن يخلد إلى الأرض ليست حالة هدى، ولكنها حالة تردد وتجربة، كما تكون حالة المنافق عند حضوره مع المسلمين إذ يكون متلبساً بمحاسن الإسلام في الظاهر، ولكنه غير مبطن لها كما قدمناه عند قوله تعالى: { { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم } في سورة البقرة (17)، فتعين أن يكون المعنى هنا: من يقدر الله له أن يكون مهتدياً فهو المهتدي.

والقصر المستفاد من تعريف جزأى الجملة { فهو المهتدي } قصر حقيقي ادعائي باعتبار الكمال واستمرار الاهتداء إلى وفاة صاحبه، وهي مسألة الموافاة عند الأشاعرة، أي وأما غيره فهو وإن بان مهتدياً فليس بالمهتدي لينطبق هذا على حال الذي أوتي الآيات فانسلخ منها وكان الشأن أن يرفع بها.

وبهذا تعلم أن قوله { من يهد الله فهو المهتدي } ليس من باب قول أبي النجم:

وشعري شعري

وقول النبي صلى الله عليه وسلم "من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" لأن ذلك فيما ليس في مفاد الثاني منه شيء زائد على مفاد ما قبله بخلاف ما في الآية فإن فيها القصر.

وكذلك القول في { ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون } وزيد في جانب الخاسرين الفصل باسم الإشارة لزيادة الاهتمام بتمييزهم بعنوان الخسران تحذيراً منه، فالقصر فيه مؤكد.

وجُمع الوصف في الثاني مراعاة لمعنى (مَن) الشرطية، وإنما روعي معنى (من) الثانية دون الأولى؛ لرعاية الفاصلة ولتبين أن ليس المراد بــــ (مَن) الأولى مفرداً.

وقد عُلم من مقابلة الهداية بالإضلال، ومقابلة المهتدي بالخاسر أن المهتدي فائز رابح فحذف ذكر ربحه إيجازاً.

والخسران استعير لتحصيل ضد المقصود من العمل كما يستعار الربح لحصول الخير من العمل كما تقدم عند قوله تعالى: { { ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم } في هذه السورة (9)، وفي قوله: { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة (16).