خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
٧٧
-هود

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن لوطاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاءته رسل ربه من الملائكة حصلت له بسبب مجيئهم مساءة عظيمة ضاق صدره بها، وأشار في مواضع متعددة إلى أن سبب مساءته وكونه ضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب أنه ظن أنهم ضيوف من بني آدم كما ظنه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. وظن أن قومه ينتهكون حرمة ضيوفه فيفعلون بهم فاحشة اللواط، لأنهم إن علموا بقدوم ضيف فرحوا واستبشروا به ليفعلوا به الفاحشة المذكورة – من ذلك قوله هنا { { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [هود: 78 – 79].
وقوله في الحجر:
{ { وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الحجر: 67 – 72].
وقوله { يُهْرَعُونَ } أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك، ومنه قول مهلهل:

فجاؤوا يهرعون وهم أسارى تقودهم على رغم الأنوف

وقوله: { وَلاَ تُخْزُونِ } أي لا تهينون ولا تذلون بانتهاك حرمة ضيفي. والاسم منه: الخزي – بكسر الخاء وإسكان الزاي-. ومنه قول حسان في عتبة بن أبي وقاص:

فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق

وقال بعض العلماء: قوله { وَلاَ تُخْزُونِ } من الخزاية، وهي الخجل والاستحياء من الفضيحة. أي لا تفعلوا بضيفي ما يكون سبباً في خجلي واستحيائي، ومنه قول ذي الرمة يصف ثوراً وحشياً تطارده الكلاب في جانب حبل من الرمل.

حتى إذا دومت في الأرض راجعة كرّ ولو شاء نجى نفسه الهرب
خزاية أدركته بعد جولتهمن جانب الحبل مخلوطاً بها الغضب

يعني أن هذا الثور لو شاء نجا من الكلاب بالهرب، ولكنه استحيا وأنف من الهرب فكر راجعاً إليها. ومنه قوله الآخر:

أجاعلة أم الثوير خزايةعلى فراري أن لقيت بني عبس

والفعل منه: خزي يخزى، كرضى يرضى. ومنه قول الشاعر:

من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت بها مرطها أو زايل الحلي جيدها

وقول الآخر:

وإنِّي لا أخزى إذا قيل مملق سخى وأخزى أن يقال بخيل

وقوله { لَعَمْرُكَ } [الحجر: 72] معناه أقسم بحياتك. والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" .
وقوله { لَعَمْرُكَ } مبتدأ خبره محذوف، أي لعمرك قسمى وسمع عن العرب تقديم الراء على اللام في لعمرك فتقول فيها: رعملك، ومنه قول الشاعر:

رعملك إن الطائر الواقع الذي تعرض لي من طائر لصدوق

وقوله { لَفِي سَكْرَتِهِمْ } [الحجر: 72] أي عماهم وجهلهم وضلالهم. والعمه: عمى القلب، فمعنى { يَعْمَهُونَ } [الحجر: 72] يترددون متحيرين لا يعرفون حقاً من باطل، ولا نافعاً من ضار، ولا حسناً من قبيح.
واختلف العلماء في المراد بقول لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
{ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي } [هود: 78] في الموضعين على أقوال:
أحدها - أنه أراد المدافعة عن ضيفه فقط، ولم يرد إمضاء ما قال، وبهذا قال عكرمة وأبو عبيدة.
الثاني - أن المراد بناته لصلبه، وأن المعنى: دعوا فاحشة اللواط وأزوجكم بناتي. وعلى هذا فتزويج الكافر المسلمة كان جائزاً في شرعه، كما كانت بنات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تحت الكفار في أول الإسلام كما هو معروف. وقد أرسلت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدها الذي زفتها به أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى زوجها أبي العاص بن الربيع، أرسلته إليه في فداء زوجها أبي العاص المذكور لما أسره المسلمون كافراً يوم بدر، والقصة مشهورة، وعقدها الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في مغازية بقوله في غزوة بدر:

وابن الربيع صهر هادي الملة إذ في فداه زينب أرسلت
بعقدها الذي به أهدتهاله خديجة وزففتها
سرحه بعقدها وعهداإليه أن يردها له غدا الخ

القول الثالث - أن المراد بالبنات: جميع نساء قومه، لأن نبي القوم أب ديني لهم، كما يدل له قوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: { { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6] وفي قراءة أبي بن كعب: "وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم" وروي نحوها عن ابن عباس. وبهذا القول قال كثير من العلماء.
وهذا القول تقربه قرينة وتبعده أخرى. أما القرينة التي تقربه فهي: أن بنات لوط لا تسع جميع رجال قومه كما هو ظاهر، فإذا زوجهن لرجال بقدر عددهم بقي عامة رجال قومه لا أزواج لهم. فيتعين أن المراد عموم نساء قومه، ويدل للعموم قوله:
{ { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } [الشعراء: 165- 166] وقوله: { { لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } [الأعراف: 81] ونحو ذلك من الآيات.
وأما القرينة التي تبعده: فهي أن النَّبي ليس أباً للكافرات، بل أبوة الأنبياء الدينية للمؤمنين دون الكافرين، كما يدل عليه قوله:
{ { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأحزاب: 6] الآية.
وقد صرح تعالى في الذاريات: بأن قوم لوط ليس فيهم مسلم إلا أهل بيت واحد وهو أهل بيت لوط، وذلك في قوله
{ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الذاريات: 36].