خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١٥
-يوسف

أضواء البيان في تفسير القرآن

أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أوحى إلى يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنه سينبىء إخوته بهذا الأمر الذي فعلوا به في حال كونهم لا يشعرون.
ثم صرح في هذه السورة الكريمة بأنه جل وعلا أنجز ذلك الوعد في قوله:
{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } [يوسف: 89].
وصرح بعدم شعورهم بأنه يوسف في قوله:
{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون } [يوسف: 58].
وهذا الذي ذكرنا أن العامل في الجملة الحالية هو قوله: { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ } أي لتخبرنهم { بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } في حال كونهم { لاَ يَشْعُرُونَ } بأنك يوسف هو الظاهر.
وقيل: إن عامل الحال هو قوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } وعليه فالمعنى: أن ذلك الإيحاء وقع في حال كونهم لا يشعرون بأنه أوحى إليه ذلك.
وقرأ هذه الآية جمهور القراء { غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } بالإفراد، وقرأ نافع "غيابات الجب" بصيغة الجمع، وكل شيء غيب عنك شيئاً فهو غيابة، ومنه قيل للقبر غيابة، ومنه قول الشاعر:

وإن أنا يوماً غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل

والجمع في قراءة نافع نظراً إلى تعدد أجزاء قعر الجب التي تغيب الداخل فيها عن العيان.
واختلف العلماء في جواب "لما" من قوله { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } أمثبت هو أم محذوف؟
فقيل: هو مثبت، وهو قوله:
{ قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } [يوسف: 17] الآية. أي لما كان كذا وكذا { قَالُواْ يَأَبَانَا }، واستحسن هذا الوجه أبو حيان.
وقيل جواب "لما" هو قوله: { وَأَوْحَيْنَآ } والواو صلة. وهذا مذهب الكوفيين، تزاد عندهم الواو في جواب "لما" وحتى، و"إذا" وعلى ذلك خرجوا قوله تعالى:
{ { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِين وَنَادَيْنَاهُ } [الصافات: 103 - 104] الآية. وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 71] الآية، وقول امرىء القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن حقف ذي ركام عقنقل

أي لما أجزنا ساحة الحي انتحى.
وقيل: جواب "لما" محذوف، وهو قول البصريين. واختلف في تقديره. فقيل: إن تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى.
وقدره بعضهم: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم.
وقدره بعضهم: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها.
واستظهر هذا الأخير أبو حيان. لأن قوله: { وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ } يدل على هذا المقدر. والعلم عند الله تعالى.