بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة: أن السر والجهر عنده سواء، وأن الاختفاء والظهور عنده أيضاً سواء: لأنه يسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخفى كما يعلم الظاهر، وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله: { { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 13 -14] وقوله: { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [طه: 7] وقوله: { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [هود: 5] وقوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ق: 16] الآية - إلى غير ذلك من الآيات.
وأظهر القولين في المستخفي بالليل والسارب بالنهار: أن المستخفي هو المختفي المستتر عن الأعين، والسارب هو الظاهر البارز الذاهب حيث يشاء. ومنه قول الأخنس بن شهاب التغلبي:
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أي ذاهب حيث يشاء ظاهر غير خاف.
وقول قيس بن الخطيم:
أني سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
وقيل السارب: الداخل في السرب ليتوارى فيه، والمستخفي الظاهر من خفاه يخفيه: إذا أظهره. ومنه قول امرىء القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشى مجلب