خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
٩
-إبراهيم

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ } الآية.
اختلف العلماء في معنى هذه الآية الكريمة فقال بعض العلماء معناها أن أولئك الكفار جعلوا أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوا عليها غيظاً وحنقاً لما جاءت به الرسل إذ كان فيه تسفيه أحلامهم وشتم أصنامهم وممن قال بهذا القول عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير واستدل له بقوله تعالى
{ وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [آل عمران: 119] الآية وهذا المعنى معروف في كلام العرب ومنه قول الشاعر:

تردون فيه غش الحسود حتى يعض على الأكف

يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه: قال القرطبي ومنه قول الآخر أيضاً:

قد أفنى أنامله أزمة فأضحى يعض على الوظيفا

أي أفنى أنامله عضاً وقال الراجز:

لو أن سلمى أبصرت تحذري ودقة بعظم ساقي ويدي
وبهد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليد

وفي الآية الكريمة أقوال غير هذا منها: أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم من العجب. ويروى عن ابن عباس، ومنها: أنهم كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول الله إليكم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم أن أسكت تكذيباً له ورداً لقوله. ويروى هذا عن أبي صالح ومنها: أن معنى الآية أنهم ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم فالضمير الأول للرسل والثاني للكفار، وعلى هذا القول ففي بمعنى الباء ويروى هذا القول عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب قال ابن جرير وتوجيهه أن في هنا بمعنى الباء قال وقد سمع من العرب أدخلك الله بالجنة يعنون في الجنة وقال الشاعر:

وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب

يريد وأرغب بها: قال ابن كثير: ويؤيد هذا القول تغيّر ذلك بتمام الكلام وهو قوله تعالى: { وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } [إبراهيم: 9].
قال مقيده - عفا الله عنه: الظاهر عندي خلاف ما استظهره ابن كثيررحمه الله تعالى، لأن العطف بالواو يقتضي مغايرة ما بعده لما قبله، فيدل على أن المراد بقوله: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ } الآية غير التصريح بالتكذيب بالأفواه والعلم عند الله تعالى. وقيل: المعنى أن الكفار جعلوا أيديهم في أفواه الرسل رداً لقولهم وعليه. فالضمير الأول للكفار والثاني للرسل، ويروى هذا عن الحسن وقيل جعل الكفار أيدي الرسل على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم ويروى هذا مقاتل وقيل رد الرسل أيدي الكفار في أفوههم وقيل غير ذلك فقد رأيت الأقوال وما يشهد له القرآن منها والعلم عند الله تعالى.
تنبيه
جمع الفم مكسراً على أفواه يدل على أن أصله فوه فحذفت الفاء والواو وعوضت عنهما الميم.
قوله تعالى: { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }.
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار صرحوا للرسل بأنهم كافرون بهم وأنهم شاكون فيما جاؤوهم به من الوحي وقد نص تعالى على بعضهم بالتعيين أنهم صرحوا بالكفر به وأنهم شاكون فيما يدعوهم إليه كقول قوم صالح له.
{ أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } [هود: 62] وصرحوا بالكفر به في قوله { { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [الأعراف: 75 - 76] ونحو ذلك من الآيات وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر عموم في آية ثم يصرح في آية أخرى بدخول بعض أفراد ذلك العموم فيه كما هنا وكما تقدم المثال له بقوله تعالى: { { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } [الحج: 32] مع قوله: { { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } [الحج: 36] الآية.