خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
١٢٥
-النحل

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة: أن يجادل خصومه بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة: من إيضاح الحق بالرفق واللين. وعن مجاهد { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } قال: أعرض عن أذاهم. وقد اشار إلى هذا المعنى في قوله:
{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [العنكبوت: 46] أي إلاّ الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجادلهم بالسيف حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
ونظير ما ذكر هنا من المجادلة بالتي هي أحسن: قوله لموسى وهارون في شأن فرعون
{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه: 44]. ومن ذلك القول اللين: قول موسى له { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [النازعات: 18-19].
قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أعلم بمن ضل عن سبيله. أي زاغ عن طريق الصواب والحق، إلى طريق الكفر والضلال.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله (في أول القلم)
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [القلم: 7-8]، وقوله (في الأنعام): { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [الأنعام: 117]، وقوله (في النجم): { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } [النجم: 30] والآيات لمثل ذلك كثيرة جداً.
والظاهر أن صيغة التفضيل التي هي { أعلم } في هذه الآيات يراد بها مطلق الوصف لا التفضيل. لأن الله لا يشاركه أحد في علم ما يصير إليه خلقه من شقاوة وسعادة. فهي كقول الشنفرى:

وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

أي لم أكن بعجلهم. وقول الفرزدق:

إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول.

أي عزيزة طويلة.