خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ
٤٥
-النحل

أضواء البيان في تفسير القرآن

أنكر الله جل وعلا على الذين يعملون السيئات من الكفر والمعاصي، ومع ذلك يأمنون عذاب الله ولا يخافون أخذه الأليم، وبطشه الشديد، وهو قادر على أن يخسف بهم الأرض، ويهلكهم بأنواع العذاب. والخسف: بلع الأرض المخسوف به وقعودها به إلى أسفل. كما فعل الله بقارون، قال الله تعالى فيه: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } [القصص: 81] الآية. وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة. كقوله: { { أَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ } [الملك: 16-17] الآية، وقوله: { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } [الإسراء: 68] وقوله: { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 99] وقد قدمنا طرفاً من هذه في أول "سورة الأعراف".
واختلف العلماء في إعراب "السيئات" في هذه الآية الكريمة. فقال بعض العلماء: نعت لمصدر محذوف. أي مكروا المكرات السيئات، أي القبيحات قبحاً شديداً. كما ذكر الله عنهم في قوله:
{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } [الأنفال: 30] الآية. وقال بعض العلماء: مفعول به لـ { مكروا } على تضمين { مكروا } معنى فعلوا. وهذا أقرب أوجه الإعراب عندي. وقيل: مفعول به لـ { أمن } أي أأمن الماكرون السيئات: أي العقوبات الشديدة التي تسوءهم عند نزولها بهم. ذكر الوجه الأول الزمخشري، والأخيرين ابن عطية. وذكر الجميع أبو حيان في "البحر المحيط".
تنبيه
كل ما جاء في القرآن من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه. كقوله:
{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } [الزخرف: 5]، { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [سبأ: 9]، { أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُم } [الجاثية: 31] الخ، فيه وجهان معروفان عند علماء العربية: أحدهما - أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل المقام عليه. كقولك مثلاً: أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحاً؟ أعمو فلم يروا إلى ما بين أيديهم؟! ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلى عليكم؟! وهكذا - وإلى هذا الوجه أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله:

وحذف متبوع بدا هنا استبح وعَطفك الفعل عَلى الفعل يصح

ومحل الشّاهد في الشطر الأول دون الثاني.
الوجه الثاني - أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة للجملة المصدرة بهمزة الاستفهام على ما قبلها. إلا أن همزة الاستفهام تزحلقت عن محلها فتقدمت على الفاء والواو، وهي متأخرة عنهما في المعنى، وإنما تقدمت لفظاً عن محلها معنى لأن الاستفهام له صدرالكلام.
فبهذا تعلم: أن في قوله تعالى في هذه الآية التي هي قوله: { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } الآية - الوجهين المذكورين. فعلى الأول - فالمعنى جهل الذين مكروا السيئات وعيد الله بالعقاب؟ أفأمن الذين مكروا السيئات الخ. وعلى الثاني - فالمعنى فأأمن الذين كفروا السيئات. فالفاء عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام. والأول هو الأظهر. والعلم عند الله تعالى.