خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

أضواء البيان في تفسير القرآن

أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. لأن أمر القدوة أمر لاتباعه كما قدمنا - أن يقولوا: "الحمد لله" أي كل ثناء جميل لائق بكماله وجلاله، ثابت له، مبيناً أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علواً كبيراً.
فبين تنزهه عن الولد والصاحبة في مواضع كثيرة. كقوله:
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص:1] إلى آخر السورة، وقوله: { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [الجن:3]، وقوله: { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الأنعام:101]، وقوله: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [مريم:88-92] الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وبيَّن في مواضع أخر: أنه لا شريك له في ملكه، أي ولا في عبادته. كقوله:
{ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } [سبأ:22]، وقوله: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر:16]، وقوله: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الملك:1]، وقوله: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } [آل عمران:26] الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة. ومعنى قوله في هذه الآية { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ } يعني أنه لا يذل فيحتاج إلى ولي يعزبه. لأنه هو العزيز القهار، الذي كل شيء تحت قهره وقدرته، كما بينه في مواضع كثيرة كقوله: { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } [يوسف:21] الآية، وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:220] والعزيز: الغالب. وقوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام:18] والآيات بمثل ذلك كثيرة. وقوله { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } أي عظمه تعظيماً شديداً. ويظهر تعظيم الله في شدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه، والمسارعة إلى كل ما يرضيه، كقوله تعالى: { وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } [البقرة:185] ونحوها من الآيات، والعلم عند الله تعالى.
وروى ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصغير والكبير من أهله هذه الآية { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } الآية. وقال ابن كثير: قلت وقد جاء في حديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الآية آية العز. وفي بعض الآثار: أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.