خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٧٢
-الإسراء

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } المراد بالعمى في هذه الآية الكريمة: عمى القلب لا عمى العين. ويدل لهذا قوله تعالى: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج:46] لأن عمى العين مع إبصار القلب لا يضر، بخلاف العكس. فإن أعمى العين يتذكر فتنفعه الذكرى ببصيرة قلبه، قال تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } [عبس:1-4].

إذا بصر القلب المروءة والتقى فإن عمى العينين ليس يضير

وقال ابن عباس رضي الله عنهما لما عمي في آخر عمره - كما روي عنه من وجوه - كما ذكره ابن عبد البر وغيره:

إن يأخذ الله من عيني نورهماففي لساني وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخلوفي فمي صارم كالسيف مأثور

وقوله في هذه الآية الكريمة: { فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } قال بعض أهل العلم: ليست الصيغة صيغة تفضيل، بل المعنى فهو في الآخرة أعمى كذلك لا يهتدي إلى نفع. وبهذا جزم الزمخشري.
قال مقيدة عفا الله عنه: الذي يتبادر إلى الذهن أن لفظة "أعمى" الثانية صيغة تفضيل. أي هو أشد عمى في الآخرة.
ويدل عليه قوله بعده { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } فإنها صيغة تفضيل بلا نزاع. والمقرر في علم العربية: أن صيغتي التعجب وصيغة التفضيل لا يأتيان من فعل الوصف منه على أفعل الذي أنثاه فعلاء. كما أشار له في الخلاصة بقوله:

وغير ذي وصف يضاهي أشهلا

والظاهر أن ما وجد في كلام العرب مصوغاً من صيغة تفضيل أو تعجب غير مستوف للشروط - أنه يحفظ ولا يقاس عليه. كما أشار له في الخلاصة بقوله:

وبالندور احكم لغير ما ذكر ولا تقس على الذي منه أثر

ومن أمثلة ذلك قوله:

ما في المعالي لكم ظل ولا ثمر وفي المخازي لكم أشباح أشياخ
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم لؤماً وأبيضهم سربال طباخ

وقال بعض العلماء: إن قوله في هذا البيت "وأبيضهم سربال طباخ" ليس صيغة تفضيل. بل المعنى أنت وحدك الأبيض سربال طباخ من بينهم.