خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً
١٠٥
-الكهف

أضواء البيان في تفسير القرآن

وقوله في هذه الآية الكريمة: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } [الكهف: 105] الآية، نص في أن الكفر بآيات الله ولقائه يحبط العمل، والآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً، كقوله تعالى في "العنكبوت" { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [العنكبوت: 23] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً، وسيأتي بعض أمثلة لذلك قريباً إن شاء الله.
وقوله في هذه الآية الكريمة: { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [الكهف: 105] فيه للعلماء أوجه:
أحدها - أن المعنى أنهم ليس لهم حسنات توزن في الكفة الأخرى في مقابلة سيئاتهم، بل لم يكن لهم إلا السيئات، ومن كان كذلك فهو في النار، كما قال تعالى:
{ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 103-104]. وقال: { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 8]. { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم } [الأعراف: 9] الآية، وقال: { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 8-11]. إلى غير ذلك من الآيات. وقال بعض أهل العلم. معنى { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [الكهف:105] أنهم لا قدر لهم عند الله لحقارتهم، وهو أنهم بسبب كفرهم. وذلك كقوله عنهم: { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60]، أي صاغرين أذلاء حقيرين، وقوله: { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } [الصافات: 18] وقوله: { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هوانهم وصغارهم وحقارتهم.
وقد دلت السنة الصحيحة على أن معنى الآية يدخل فيه الكافر السمين العظيم البدن. لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة. قال البخاري في صحيحه في تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن عبد الله. حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن، حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة" وقال - "اقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله اهـ. من البخاري.
وهذا الحديث أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه، وهو يدل على أن نفس الكافر العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة. وفيه دلالة على وزن الأشخاص. وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره هذه الآية بعد أن أشار إلى حديث أبي هريرة المذكور ما نصه: وفي هذا الحديث من الفقه ذم السمن لمن تكلفه. لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها على المكارم. بل يدل على تحريم الأكل الزائد على قدر الكفاية، المبتغى به الترفه والسمن. وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الحبر السمين" ومن حديث عمران بن حصين عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم " - قال عمران. فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - " ثم إن من بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن" وهذا ذم. وسبب ذلك: أن السمن المكتسب إنما هو من كثرة الأكل والشره والدعة والراحة والأمن، والاسترسال مع النفس على شهواتها. فهو عبد نفسه لا عبد ربه. ومن كان هذا حاله وقع لا محالة في الحرام. وكل لحم تولد من سحت فالنار أولى به. وقد ذم الله تعالى الكفار بكثرة الأكل فقال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } [محمد: 12] فإذا كان المؤمن يتشبه بهم. ويتنعم تنعمهم في كل أحواله وأزمانه، فأين حقيقة الإيمان والقيام بوظائف الإسلام. ومن كثر أكله وشربه كثر نهمه وحرصه، وزاد بالليل كسله ونومه، فكان نهاره هائماً، وليله نائماً اهـ. محل الغرض من كلام القرطبي. وما تضمنه كلامه من الجزم بأن النًّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبغض الحبر السمين" فيه نظر، لأنه لم يصح مرفوعاً، وقد حسنه البيهقي من كلام كعب. وما ذكر من ذم كثرة الأكل والشرب والسمن المكتسب ظاهر وأدلته كثيرة " وحسب المؤمن لقيمات يقمن صلبه".