خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٣٧
-مريم

أضواء البيان في تفسير القرآن

أظهر الأقوال في "الأحزاب" المذكورة في هذه الآية - أنهم فرق اليهود والنصارى الذين اختلفوا في شأن عيسى. فقالت طائفة: هو ابن زنى. وقالت طائفة: هو ابن الله. وقالت طائفة: هو الله. وقالت طائفة: هو إله مع الله. ثم إن الله توعد الذين كفروا منهم بالويل لهم من شهود يوم القيامة. وذلك يشمل من كفر بالتفريط في عيسى كالذي قال إنه ابن زنى. ومن كفر بالإفراط فيه كالذين قالوا إنه الله أو ابنه. وقوله "ويل" كلمة عذاب. فهو مصدر لا فعل له من لفظه. وسوغ الابتداء به وهو نكرة كونه في معنى الدعاء. والظاهر أن المشهد في الآية مصدر ميمي. أي فويل لهم من شهود ذلك اليوم أي حضوره لما سيلاقونه فيه من العذاب. خلافاً لمن زعم أن المشهد في الآية اسم مكان. أي فويل لهم من ذلك المكان الذي يشهدون فيه تلك الأهوال والعذاب. والأول هو الظاهر وهو الصواب إن شاء الله تعالى. وهذا المعنى الذي ذكره هنا ذكره أيضاً في سورة "الزخرف" في قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [الزخرف:63-65] وما أشار إليه في الآيتين: من أن الذين كفروا بالإفراط أو التفريط في عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أنه لم يعاجلهم بالعذاب، وأنه يؤخر عذابهم إلى الوقت المحدد لذلك - أشار له في مواضع أخر. كقوله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42]، وقوله تعالى: { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } [هود: 104]، وقوله: { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [العنكبوت: 53]. وبالجملة فالله تعالى يمهل الظالم إلى وقت عذابه، ولكنه لا يهمله. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" - ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102]، وقال تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [الحج: 48].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } قال أبو حيان في (البحر): ومعنى قوله "من بينهم" أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين - انتهى محل الغرض منه.