خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٤٣
-البقرة

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } الآية.
أي: خياراً عدولاً. ويدل لأن الوسط الخيار العدول قوله تعالى:
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]، وذلك معروف في كلام العرب، ومنه قول زهير:

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

قوله تعالى: { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }.
لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا أو الآخرة؟ ولكنه بين في موضع آخر أنه شهيد عليهم في الآخرة، وذلك في قوله:
{ { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثا } [النساء: 41-42].
قوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ } الآية.
ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيراً، بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون. وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا:
{ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [آل عمران: 154] فقوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } بعد قوله: { وَلِيَبْتَلِيَ } دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئاً لم يكن عالماً به، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار، وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه. ومعنى { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } أي علماً يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالماً به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون، كما لا يخفى وقوله: { مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ } أشار إلى أن الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم بقوله مخاطباً له: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } الآية. لأن هذا الخطاب له إجماعاً.
قوله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }.
أي صلاتكم إلى بيت المقدس على الأصح، ويستروح ذلك من قوله قبله: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } الآية. ولا سيما على القول باعتبار دلالة الاقتران، والخلاف فيها معروف في الأصول.