خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ
٤٣
-الأنبياء

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله في هذه الآية الكريمة { أَمْ } هي المنقطعة، وهي بمعنى بل والهمزة، فقد اشتملت على معنى الإضراب والإنكار، والمعنى: ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعزّ حتى لا ينالهم عذابنا. ثم بين أن آلهتهم التي يزعمون لا تستطيع نفع أنفسها، فكيف تنفع غيرها بقوله: { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ }. وقوله { مِّن دُونِنَا } فيه وجهان: أحدهما ـ أنه متعلق. { آلِهَةٌ } أي ألهم آلهة { مِّن دُونِنَا } أي سوانا { تَمْنَعُهُمْ } مما نريد أن نفعله بهم من العذاب! كلا! ليس الأمر كذلك. الوجه الثاني ـ أنه متعلق. { تَمْنَعُهُمْ } لقول العرب: منعت دونه، أي كففت أذاه. والأظهر عند الأول. ونحوه كثير في القرآن كقوله: { { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ } [الأنبياء: 29] الآية وقوله: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } [الفرقان: 3] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة: من كون الآلهة التي اتخذوها لا تستطيع نصر أنفسها فكيف تنفع غيرها ـ جاء مبيناً في غير هذا الموضع؟ كقوله تعالى:
{ { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف: 191-195]، وقوله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [الأعراف: 197-198]، وقوله تعالى: { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } [فاطر: 13-14] الآية، وقوله تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [الأحقاف: 5] الآية، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تلك الآلهة المعبودة من دون الله ليس فيها نفع البتة.
وقوله في هذه الآية الكريمة: { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي يجارون: أي ليس لتلك الآلهة مجير يجيرهم منا. لأن الله يجير ولا يجاز عليه كما صرح بذلك في سورة
{ { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1] في قوله: { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [المؤمنون: 88]. والعرب تقول: أنا جار لك وصاحب من فلان. أي مجير لك منه. ومنه قول الشاعر:

ينادي بأعلى صوته متعوِّذاً ليصحب منا والرماح دواني

يعني ليجار ويُغاث منا. وأغلب أقوال العلماء في الآية راجعة إلى ما ذكرنا. كقول بعضهم { يُصْحَبُونَ } يُمنعون. وقول بعضهم يُنصرون. وقول بعضهم { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي لا يصحبهم الله بخير، ولا يجعل الرحمة صاحباً لهم. والعلم عند الله تعالى.