خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٣٩
-النور

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً }.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن أعمال الكفار باطلة، وأنها لا شيء، لأنه قال في السراب الذي مثلها به: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً }، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من بطلان أعمال الكفار، جاء موضحاً في آيات أخر، كقوله تعالى:
{ { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ } [إبراهيم: 18] الآية. وقوله تعالى: { { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا أن عمل الكافر إذا كان على الوجه الصحيح أنه يُجزى به في الدنيا كما أوضحناه في سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى:
{ { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [النحل: 97] الآية.
وقد دلت آيات من كتاب الله على انتفاع الكافر بعمله في الدنيا، دون الآخرة كقوله تعالى:
{ { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [الشورى: 20] وقوله تعالى: { { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [هود: 15ـ16] وهذا الذي دلت عليه هذه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا، دون الآخرة ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أنس رضي الله عنه كما أوضحناه في الكلام على آية النحل المذكورة، وهو أحد التفسيرين في قوله تعالى: { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } الآية أي وفاه حسابه في الدنيا على هذا القول، وقد بيّن الله جل وعلا في سورة بني إسرائيل أن ما دلت عليه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا، أنه مقيّد بمشيئة الله تعالى، وذلك في قوله تعالى: { { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } [الإسراء: 18]
تنبيه
في هذه الآية الكريمة سؤال ذكرناه وذكرنا الجواب عنه في كتابنا، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وذلك في قولنا فيه: لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أنّ الضمير في قوله: جاءه يدل على شيء موجود واقع عليه المجيء، لأن وقوع المجيء على العدم لا يُعقل ومعلوم أن الصفة الإضافية، لا تتقوم إلا بين متضائفين، فلا تدرك إلا بإدراكهما، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل، إلا بإدراك فاعل واقع منه المجيء، ومفعول به واقع عليه المجيء. وقوله تعالى: { لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } يدل على عدم وجود شيء يقع عليه المجيء في قوله تعالى: { جَآءَهُ }.
والجواب عن هذا من وجهين ذكرهما ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة.
قال فإن قال قائل كيف قيل: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } فإن لم يكن السراب شيئاً فعلام دخلت الهاء في قوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ }، قيل إنه شيء يُرى من بعيد كالضباب الذي يُرى كثيفاً من بعيد، فإذا قرب منه رقّ وصار كالهواء، وقد يُحتمل أن يكون معناه حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئاً فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه انتهى منه.
والوجه الأول أظهر عندي، وعنده، بدليل قوله: وقد يحتمل أن يكون معناه إلخ. انتهى كلامنا في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وقد رأيت فيه جواب ابن جرير الطبري عن السؤال المذكور، وقوله تعالى في هذه الآية: { بِقِيعَةٍ } قيل جماع قاع كجار وجيرة. وقيل: القيعة والقاع بمعنى، وهو المنبسط المستوى المتسع من الأرض، وعلى هذا فالقاع واحد القيعان كجار وجيران.