خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
٤١
-النور

أضواء البيان في تفسير القرآن

اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم: إنه راجع إلى الله تعالىفي قوله: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } الآية، وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين. قد علم الله صلاته وتسبيحه. وقال بعض أهل العلم: إن الضمير المذكور إلى قوله: { كُلٌّ } أي كل من المصلين والمسبحين، قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه، وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: { { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [النحل: 97] الآية كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حُمل على التأسيس، وبيّنا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين، أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله: { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } راجعاً إلى قوله { كُلٌّ } أي كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين، قد علم تسبيح نفسه، وعلى هذا القول فقوله تعالى { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } تأسيس لا تأكيد، أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله: أي قد علم صلاته يكون قوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } كالتكرار مع ذلك فيكون من قبيل التوكيد اللفظي.
وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد كما تقدم إيضاحه. والظاهر أن الطير تُسبِّح وتصلي صلاة وتسبيحاً يعملهما الله، ونحن لا نعلمهما كما قال تعالى:
{ { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء: 44].
ومن الآيات الدالة على أن غير العُقلاء الله ونحن لا نعلمه. قوله تعالى في الحجارة
{ { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [البقرة: 74] فأثبت خشية للحجارة، والخشية تكون بإدراك. وقوله تعالى: { { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر: 21] وقوله تعالى: { { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } [الأحزاب: 72] الآية. والإباء والإشفاق إنما يكونان بإدراك، والآيات والأحاديث واردة بذلك، وهو الحق. وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحاً، ولا مانع من الحمل على الظاهر ونقل القرطبي عن سفيان: أنَّ للطير ليس فيها ركوع ولا سجود اهـ.
ومعلوم أن الصلاة في اللغة الدعاء، ومنه قول الأعشى:

تقول بنتي وقد غربت مرتحلاً با ربِّ جنِّب أبي الأوصاب والوجعَا
عليكِ مثل الذي صليتِ فاغتبطي نوماً فإنّ لجنب المرء مضجعا

فقوله: مثل الذي صليت أي دعوت يعني قولها: يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا. وقوله: { صَآفَّاتٍ }: أي صافّات أجنحتها في الهواء وقد بيّن تعالى في غير هذا الموضع أن إمساكه الطير صافات أجنحتها في الهواء وقابضات لها من آيات قدرته، واستحقاقه العبادة وحده، وذلك في قوله تعالى: { { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [الملك: 19] الآية. وقوله تعالى: { { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل: 79].