خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً
٢٢
-الفرقان

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار الذين طلبوا إنزال الملائكة عليهم، أنهم يرون الملائكة لا بشرى لهم: أي لا تسرهم رؤيتهم ولا تكون لهم في ذلك الوقت بشارة بخير، ورؤيتهم للملائكة تكون عند احتضارهم، وتكون يوم القيامة ولا بشرى لهم في رؤيتهم في كلا الوقتين.
أما رؤيتهم الملائكة عند حضور الموت فقد دلت آيات من كتاب الله أنهم لا بشارة لهم فيها لما يلاقون من العذاب من الملائكة عند الموت، كقوله تعالى:
{ { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [الأنفال: 50] الآية وقوله تعالى: { { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأنعام: 93] وقوله تعالى: { { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 27ـ28] وأما رؤيتهم الملائكة يوم القيامة فلا بشرى لهم فيها أيضاً، ويدل لذلك قوله تعالى: { { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } [الأنعام: 8] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } يدل بدليل خطابه: أي مفهوم مخالفته، أن غير المجرمين يوم يرون الملائكة تكون لهم البشرى، وهذا المفهوم من هذه الآية جاء مصرحاً به في قوله تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [فصلت: 30ـ32].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَيقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أظهر القولين فيه عندي أنه من كلام الكفار، يوم يرون الملائكة. لا من كلام الملائكة وإيضاحه: أن الكفار الذين اقترحوا إنزال الملائكة إذا رأوا الملائكة توقعوا العذاب من قبلهم، فيقولون حينئذ للملائكة: حجراً محجوراً: أي حراماً محرماً عليكم أن تمسونا بسوء أي لأننا لم نرتكب ذنباً نستوجب به العذاب، كما أوضحه تعالى بقوله عنهم:
{ { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 28] فقولهم: ما كنا نعمل من سوء: أي لم نستوجب عذاباً فتعذيبنا حرام محرم، وقد كذبهم الله في دعواهم هذه بقوله: { { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 28] وعادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، أنهم يقولون هذا الكلام: أي حجراً محجوراً عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك.
وقد ذكر سيبويه هذه الكلمة أعني: حجراً محجوراً في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو: معاذ نحو: معاذ الله، وعمرك الله، ونحو ذلك وقوله: حجراً محجوراً، أصله من حجره بمعنى منعه، والحجر الحرام، لأنه ممنوع ومنه قوله:
{ { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } [الأنعام: 138] أي حرام { { لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } } [الأنعام: 138] ومنه قول المتلمس:

حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس

فقوله حرام تأكيد لقوله حجر لأن معناه حرام وقول الآخر:

ألا أصبحت أسماء حجراً محرماً وأصحبت من أدنى حموتها حما

وقول الآخر:

قالت وفيها حيرة وذعر عوذ بربي منكم وحجر

وقوله: محجوراً توكيد لمعنى الحجر. قال الزمخشري: كقول العرب: ذيل ذائل. والذيل الهوان، وموت مائت، وأما على القول بأن حجراً محجوراً من قول الملائكة، فمعناه: أنهم يقولون للكفار حجراً محجوراً. أي حراماً محرماً أن تكون للكفار اليوم بشرى، أو أن يغفر لهم، أو يدخلون الجنة وهذا القول اختاره ابن جرير، وابن كثير وغير واحد.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } قال الزمخشري: يوم منصوب بأحد شيئين، إما بما دل عليه لا بشرى أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى، أو يعدمونها، ويومئذ للتكرير، وإما بإضمار اذكر: أي اذكر يوم يرون الملائكة، ثم قال لا بشرى يومئذ للمجرمين.