خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً
٣٩
-الفرقان

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن كلا من الماضين المهلكين من قوم نوح وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، والقرون الكثيرة بين ذلك: أنه ضرب لكل منهم الأمثال ليبين لهم الحق بضرب المثل، لأنه يصير به المعقول كالمحسوس، وأنه جل وعلا تبر كلا منهم تتبيراً، أي أهلكهم جميعاً إهلاكاً مستأصلاً، التتبير الإهلاك والتكسير ومنه قوله تعالى: { { وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } [الإسراء: 7] وقوله تعالى: { { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } [الأعراف: 139] أي باطل، وقوله تعالى: { { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً } [نوح: 28] أي هلاكاً، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة، وهما أنه جل وعلا ضرب لكل منهم الأمثال، وأنه تبرهم كلهم تتبيراً جاءا مذكورين في غير هذا الموضع.
أما ضربه الأمثال للكفار، فقد ذكره جل وعلا في غير هذا الموضع كقوله في سورة إبراهيم:
{ { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَال } [إبراهيم: 44ـ45] وأما تتبيره جميع الأمم لتكذيبها رسلها، فقد جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى في سورة الأعراف: { { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرِّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [الأعراف: 94ـ95] وقوله تعالى في سورة سبأ: { { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [سبأ: 34] وقوله تعالى في الزخرف: { { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزّخرف: 23] وقوله تعالى: { { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } [المؤمنون: 44] الآية، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن جميع الأمم كذبوا رسلهم، وأن الله أهلكهم بسبب ذلك، وقد بين جل وعلا في آية أخرى أن هذا العموم لم يخرج منه إلا قوم يونس دون غيرهم، وذلك في قوله تعالى: { { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [يونس: 98].
ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى:
{ { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [الصافات: 147ـ148] وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه ضرب الأمثال لكل منهم، لم يبين فيه هنا هل ضرب الأمثال أيضاً لهذه الآية الكريمة التي هي آخر الأمم في هذا القرآن، كما ضربها لغيرهم من الأمم، ولكنه تعالى بين في آيات كثيرة أنه ضرب لهذه الأمة الأمثال في هذا القرآن العظيم، ليتفكروا بسببها، وبين أنها لا يعقلها إلا أهل العلم، وأن الله يهدي بها قوماً، ويضل بها آخرين.
وهذه الآيات الدالة على ذلك كله فمنها قوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ } [البقرة: 26]، وقوله تعالى: { { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [الزمر: 27] وقوله تعالى: { { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر: 21]، وقوله تعالى: { { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43]، وقوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } [الحج: 73]. والآيات الدالة على ذلك كثيرة معلومة والعلم عند الله تعالى.