خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
٤٧
-النمل

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله: اطيرنا بك: أي تشاءمنا بك، وكان قوم صالح إذا نزل بهم قحط أو بلاء أو مصائب قالوا: ما جاءنا هذا إلا من شؤم صالح، ومن آمن به. والتطير: التشاؤم، وأصل اشتقاقه من التشاؤم بزجر الطير.
وقد بينا كيفية التشاؤم والتيامن بالطير في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى:
{ { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 59] وقوله تعالى: { قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } قال بعض أهل العلم: أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله، فالشر الذي أصابكم بذنوبكم لا بشؤم صالح، ومن آمن به من قومه.
وقد قدمنا معنى طائر الإنسان في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى:
{ { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [الإسراء: 13]، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من تشاؤم الكفار بصالح، ومن معه من المؤمنين جاء مثله موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في تشاؤم فرعون وقومه بموسى: { { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 131] وقوله تعالى في تطير كفار قريش، بنبينا صلى الله عليه وسلم { { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَا لِهَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [النساء: 78] والحسنة في الآيتين النعمة كالرزق والخصب، والعافية. والسيئة المصيبة بالجدب والقحط، ونقص الأموال، والأنفس، والثمرات، وكقوله تعالى: { { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } [يس: 18ـ19] أي بليتكم جاءتكم من ذنوبكم، وكفركم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }، قال بعض العلماء تختبرون وقال بعضهم: تعذبون كقوله
{ { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13] وقد قدمنا إن أصل الفتنة في اللغة وضع الذهب في النار ليختبر بالسبك أزائف هو أم خالص؟ وأنها أطلقت في القرآن على أربعة معان:
الأول: إطلاقها على الإحراق بالنار كقوله تعالى:
{ { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13] وقوله تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [البروج: 10] اي حرقوهم بنار الاخدود على أحد التفسيرين. وقد اختاره بعض المحققين.
المعنى الثاني: إطلاق الفتنة على الاختبار، وهذا هو أكثرها استعمالاً كقوله تعالى:
{ { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [الأنبياء: 35] وقوله تعالى: { { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [الجن: 16ـ17]. والآيات بمثل ذلك كثيرة.
الثالث: إطلاق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيئة خاصة، ومن هنا أطلقت الفتنة على الكفر والضلال كقوله تعالى:
{ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [الأنفال: 39] أي حتى لا يبقى شرك، وهذا التفسير الصحيح، دل عليه الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقد دل عليه في قوله بعده في البقرة
{ { وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } [البقرة: 193] وفي الأنفال { { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } [الأنفال: 39] فإنه يوضح أن معنى: لا تكون فتنة، أي لا يبقى شرك، لأن الدين لا يكون كله لله، ما دام في الأرض شرك كما ترى.
وأما السنة ففي قوله صلى الله عليه وسلم
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله" فقد جعل صلى الله عليه وسلم الغاية التي ينتهي إليها قتاله للناس، هي شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واضح في أن معنى: لا تكون فتنة: لا يبقى شرك، فالآية والحديث كلاهما دال على أن الغاية التي ينتهي إليها قتال الكفار هي ألا يبقى في الأرض شرك، إلا أنه تعالى في الآية عبر عن هذا المعنى بقوله: { حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَة } وقد عبر صلى الله عليه وسلم بقوله: "حتى يشهدوا ألا إله إلا الله" فالغاية في الآية والحديث واحدة في المعنى. كما ترى.
الرابع: هو إطلاق الفتنة على الحجة في قوله تعالى:
{ { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] أي لم تكن حجتهم، كما قاله غير واحد. والعلم عند الله تعالى.