خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٠
-النمل

أضواء البيان في تفسير القرآن

قال ابن كثيررحمه الله في تفسير هذه الآية: وقال ابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وأبو وائل، وأبو صالح، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، والزهري، والسدي، والضحاك، والحسن وقتادة، وابن زيد في قوله تعالى: { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } يعني: الشرك.
وهذه الآية الكريمة تضمنت أمرين:
الأول: أن من جاء ربه يوم القيامة بالسيئة كالشرك يكب وجهه في النار.
والثاني: أن السيئة إنما تجزي بمثلها من غير زيادة، وهذان الأمران جاءا موضحين في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في الأول منهما:
{ { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [طه: 74] وكقوله تعالى في الثاني منهما: { { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } [الأنعام: 160] الآية. وقوله تعالى: { { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [القصص: 84] وقوله تعالى: { { جَزَآءً وِفَاقاً } [النبأ: 26].
وإذا علمت أن السيئات لا تضاعف، فاعلم أن السيئة قد تعظم فيعظم جزاؤها بسبب حرمة المكان كقوله تعالى:
{ { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25] أو حرمة الزمان كقوله تعالى في الأشهر الحرم: { { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة: 36].
وقد دلت آيات من كتاب الله أن العذاب يعظم بسبب عظم الإنسان المخالف، كقوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم
{ { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } [الإسراء: 74ـ75] وقوله تعالى: { { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } [الحاقة: 44ـ46] الآية وكقوله تعالى في أزواجه صلى الله عليه وسلم { { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30] الآية، قد قدمنا طرفاً من الكلام على هذا في الكلام، على قوله تعالى: { { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } [الإسراء: 75] مع تفسير الآية، ومضاعفة السيئة المشار إليها في هاتين الآيتين، إن كانت بسبب عظم الذنب، حتى صار في عظمه كذنبين، فلا إشكال، وإن كانت مضاعفة جزاء السيئة كانت هاتان الآيتان مخصصتين للآيات المصرحة، بأن السيئة لا تجزي إلا بمثلها، والجميع محتمل، والعلم عند الله تعالى.